هذا الحديث مِن قديمِ الأخبار الَّتي أثارت لَغَطًا مِن قِبَلِ مُتَمَعقِلةِ كلِّ زمان، يدَّعون تَضادَّها مع الثَّابتِ مِن كونِ الشَّريعة قد أبطلت الطِّيرة ونهت عن التَّطيُّر.
وقد بَلَغ حَنقُ أهلِ العلمِ بهؤلاءِ المُهَرْوِلين إلى إبطالِ مِثل هذه السُّنَن بمجرَّدِ الرَّأي -طمعًا في رَدْعِهم عن غَيِّهم، وتَنفيرِ غيرِهم عن زَيْغِهم- أن نعتوهم بـ (المُلحِدَة)! (١)
لكن أبَى هذا الجِذْر إلَّا أن يُخرِج فروعَه الخبيثة، فكان لهؤلاء خَلَفٌ مِن مَلاحدةِ هذا العصرٍ، مَن قالوا لأسلافِهم: ما قُلتم شيئًا إزاءَ ما نقول! بعد أن تتبَّعوا آثارَهم في نقضِ رواياتِ هذا البابِ، وشَنَّعوا على الشَّيخين تصحيحَهما للحديث.
كان من هؤلاءِ على سبيل المثال:(صالح أبو بكر)، الَّذي تحذلَق في عَربيَّةِ الحديث قائلًا:
«إنَّ الشُّؤم أصلًا مِن خصالِ المشركين وطِباعهم، وقد نَشأ في أنفسِهم نتيجةً لعدم إيمانهم بقضاء الله وقدره، .. فكيف تكون دَعوة النَّبي صلى الله عليه وسلم مُركَّزةً على إبطال
(١) كما في «إكمال المعلم» للقاضي عياض (٧/ ١٥٠)، و «شرح النَّووي على مسلم» (١٤/ ٢٢٠).