مقالات المُعاصرين في دعوى إغفال الشَّيخين لنقد المتون
إغفال تفحُّص المتونِ في عمليَّة النَّقد الحديثيِّ، بعرضِها على أصولِ الشَّرعِ ومُسَلَّمات العقلِ؛ تُهمة اتُّخذت مِعوَلًا توسَّل به كلُّ مَن أزَّته نفسُه لرَدْمِ ما لم يَستسِغه عَقلُه أو ذَوْقُه مِن أخبارِ «الصَّحيحين».
وهي لا شكَّ تهمةٌ وشَيْنٌ لذاتِ المنهجِ النَّقديِّ الَّذي ابتَنَى عليه الشَّيخانِ أحكامهما الحديثيَّة، واعتمداه في تميِيز الأخبارِ كسائرِ المُحدِّثين، منهجٍ بانَتْ مَعالِمه جَليَّةً في مُمارساتِهم النَّقديَّةِ للتُّراثِ الشَّرعي عبر دهورٍ مِن الزَّمن؛ قومٌ أنهكوا أعمارَهم في تفحُّصِ الرِّواياتِ وِفقَ نظرٍ مَنهجيٍّ صارمٍ لا يحابي أحدًا، وممارساتٍ تطبيقيَّةٍ دَؤوبةٍ لهذا الفنِّ، لا ينكرُ جهدَهم في ذلك إلَّا جاحدٌ يُزري بنفسِه.
وكثيرٌ مِمَّن تجاسرَ مِن أهل زمانِنا على أخبار «الصَّحيحين» بالطَّعنِ، يشكرون للشَّيخينِ جهدَهما في ما تَقصَّداه مِن التَّصنيفِ، لكنَّهم يحكمونَ على مُحاولتِهما في ذلك بالفَشَلِ! بحجَّة اختلالِ المَسْلكِ النَّقديِّ الَّتي اتَّبعوه في ذلك؛ منشأ هذا الخَلَلِ كامنٌ بزعمهم في تَمَحورِ عملهما -كباقي المُحَدِّثين- حول رُكنٍ واحدٍ مِن رُكْنَي الرِّوايةِ، وهو الإسنادَ وما تعلَّق به مِن مَباحث، فلم يَرعوا المتنَ تلك العنايةِ اللَّازمة.