للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تثبيت هذه الدَّعوى على البخاريِّ بصفة خاصَّة، يقول (حُسين أحمد أمين) (١) بعد أن سَخر مِن حديثٍ أخرجه: «كان انتقاءُ البخاريِّ للأحاديثِ الصَّحيحةِ على أساسِ صحَّةِ السَّندِ لا المتن، فالإسنادُ عنده وعند غيرِه هو قَوائم الحديث، إنْ سَقَط سَقَط، وإنْ صَحَّ السَّند، وَجَب قَبول الحديث، مهما كان مَضمون المتن»! (٢).

ويقول (عابد الجابري) في حقِّ روايةٍ صحَّحها البخاريُّ: «بوسعِ المَرءِ أن يَشُمَّ في الرِّواية الَّتي أوردَها البخاري شبهةً سِياسيَّة، ولا لَوْمَ للبخاريِّ عليها، مادامَ قد قَصُر مُهمَّتَه على اعتبارِ السَّند لا غير» (٣).

وغير هذين من المعاصرين اختاروا تلطيف الكلامِ في انتقاد نهجِ البخاريِّ والتَّمهيد له بشكر لطيف، أعقبه بغمزٍ سخيف! كالَّذي سطَّره (حسن عَفانة) في قوله:

«جَزَى الله البخاريَّ ومسلمًا وإخوانَهما أصحابَ السُّنَن وكتبِ الحديثِ والرِّجال عن الإسلامِ خيرَ الجزاء، وأدخلَهم فسيحَ جنانِه، لِما بَذلوه مِن جُهدٍ، ولَزِموه مِن أمانةٍ في نقلِ وتدوينِ ما سمعوه بعد تمحيصِ سَنَده، حتَّى وَصَلنا منه ذخيرةٌ لا مَثيل لها في أيِّ دينٍ سَبَقه.

على أنَّ ثِقَلَ المهمَّة، وصعوبةَ العمل في تحقيقِ سندِ الحديث، قد أخَذ مِن أولئكِ العلماءِ الأفذاذ جُلَّ أوقاتِهم، فلم يَبْقَ لهم مِن الوقتِ ما يَكفِي ليُمَحِّصوا متونَ الأحاديث!» (٤).


(١) حسين أحمد أمين: كاتب ومفكر ودبلوماسي مصري، ابن الكاتب والمؤرخ المشهور أحمد أمين صاحب «فجر الإسلام» وأخواتها، تخرج في كلية الحقوق، جامعة القاهرة عام ١٩٥٣ م، وعُين في عدة مناصب ديبلوماسية وإعلامية، وحصل كتابه «دليل المسلم الحزين» على جائزة أحسن كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام ١٩٨٤، توفي سنة ٢٠١٤ م.
(٢) «دليل المسلم الحزين» لحسين أحمد أمين (ص/٥٩ - ٦٠).
(٣) نقلًا عن المَطبوعِ مِن «ملتقى أعلام الإسلام - البخاري نموذجًا» (٢/ ٢٧٨).
(٤) «اللِّباس الشرعي وطهارة المجتمع» (ص/٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>