للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الثَّالث

دفع المُعارضات الفكريَّةِ المُعاصرةِ

عن حديثِ غارَتِه صلى الله عليه وسلم على بني المُصطلق

فقبل الشُّروعِ في تفاصيلِ الرَّد على هذا الطَّعْنِ في حديثِ نافعٍ، يحسُن بنا التَّمهيد من جهة التَّأصيل بأنَّ بَدْءَ قتالِ المسلمينَ للكُفَّارِ -بَسْطًا لحكمِ الإسلام عليهم، ولو مِن غيرِ اعتداءٍ سابقٍ منهم: لا يجوز تسميته عُدوانًا! ما دامت مَشروعيَّته قد نَطَق بها الشَّارع نفسُه؛ وذلك: أنَّ حَمَلة الشَّريعةِ مُتَّفِقون على أنَّ جِهادَ المُشركينَ إنَّما شُرِع في المدينةِ بعد الهجرة النَّبوية المُباركة (١)، وأنَّه تَدرَّج على مَراحِل ثلاث:

الأولى: الإذْنُ العامُّ في القِتال دون فَرْضِه، بعد أن كان مَمنوعًا في مكَّة:

وهذا الإذْن المُبيح للقتِال بعد منعِه أوَّل الدَّعوة، دَلَّ عليه قول الله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَاّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [الحج: ٣٩ - ٤٠].

قال غير واحدٍ مِن السَّلف: «هذه أوَّل آيةٍ نَزَلَت في الجهاد» (٢)، فكانت بذا مُعلِمةً بضرورةِ الإعدادِ، مُهيِّئةٌ للأنفُسِ لما هي مُقبِلةٌ عليه مِن أحداث وأحكام تخصُّ المرحلةَ التَّالية:


(١) «تحرير العقل من النقل» (ص/٢٢٩)، وانظر أيضا «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٢٣٣ - ٢٣٤).
(٢) انظر «تفسير القرآن العزيز» لابن أبي زمنين (٣/ ١٨٣)، و «الوجيز» للواحدي (ص/٧٣٥)، و «تفسير ابن كثير» (٥/ ٤٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>