للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الرَّابع

مُستوَيَات العَلمانيَّة

تَتفَاوت دركاتُ «العَلمانيَّة» عند مُعتنِقيها في عالمِنا العَربيِّ بالنَّظر إلى مَدى قُربها مِن الدِّين وتعاطيها مع نصوصِه، أو بُعدِها عن ذلك جملةً، فأسوَءهم طريقةً: مَن يعزلُ الدِّين كلَّه عن مَناحي الحياةِ، وهذه المُسمَّاة بـ «العلمانيَّة الشَّاملة»، بوصفِها رؤيةً شاملةً للكونِ، ذاتَ بُعدٍ مَعرفيٍّ كُليٍّ نهائيٍّ، لا تقِف عند حَدِّ «فصلِ الدِّينِ عن الدَّولةِ»، بل تَتجاوز ذلك لتشملَ فصلَ كلِّ القِيَم الدِّينيَّة والأخلاقيَّة المُتجاوزة لقوانينِ الحَركةِ والحواسِّ في العالَم، بحيث يَغدو العالَم مادَّةً لا قداسة له، مُعلنةً بذلك عداوتَها لكلِّ ما هو غَيبيٌّ؛ مُمَثَّلًا هذا بالتَّيارِ المادِّي الإلحاديِّ، المُجسَّدِ في الماركسيَّة فِكرًا، وفي الشُّيوعيَّةِ تطبيقًا (١).

وأرباب هذه الدَّرَكةِ مِن العَلمانيَّة هم أقلُّ في عالَمِنا العَربيِّ مِن أنصارِ الدَّركة الأخرى: «العَلمانيَّة الجزئيَّةِ»، فهذه أشيَعُ في العالم الغربيِّ في الأنِظمةِ السِّياسيَّة في شمالِ إفريقيا، وأكثرِ دولِ آسيا (٢)، بوصفِها إجراءً جُزئيًّا، لا تتعامل مع الدِّين بأبعادِه الكُليَّة المَعرفيَّة، بل تَتَّجه رؤيتُها صوبَ فصلِ الدِّين عن عالمِ


(١) انظر «العلمانية الجزئية والشاملة» (١/ ٢٢١)، و «كواشف زيوف في المذاهب الفكريَّة المعاصرة» لعبد الرحمن حبنكة الميداني (ص/١٦٤).
(٢) انظر «في المذاهب المعاصرة» لأحمد الجمل (ص/٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>