السِّياسة، وربَّما الاقتصاد، وهي في هذا غير مُنكرةٍ وجودَ مُطْلَقاتٍ أخلاقيَّةٍ ودينيَّةٍ مُقدَّسةٍ (١).
وجرَّاء هذا الوصفِ الثَّاني، كان رُوَّاد العلمانيَّة العَربُ أكثرَ تَناولًا لنصوصِ الوحيِ بالنَّقدِ مِن العلمانيِّين الشُّموليِّين، فإنَّ عَداوة الأوَّلينَ للدِّين كلِّه ظاهرة، لا يقبل منهم العامَّة صرفًا ولا عدلًا؛ بخلاف هؤلاء، فإنَّهم كثيرًا ما يَتزيَّونَ بلبوسِ الغَيورِ على الدِّين! فأمكنَ لهم أن يتَقَمَّصوا طَواعِيةً أو تحريضًا دَوْرَ الإمبرياليِّ في نَثرِ مُخلَّفاتِ الأفكارِ الغَرْبيَّةِ المُستحدثةِ على الأصقاعِ الإسلاميَّةِ، والسَّعيِ في تنفيذِ أجِنداتِه، لاستِبْعادِ المَرجِعيَّة الإسلاميَّة عنِ أن تكون حاكمةً، وإلَّا فلتَكُن على ما يُوافِق نَظرتَهم للحياةِ وتنميط المجتمعات.
وقد كان مِن الطَّبيعيِّ أن يتُوق روَّادُ الثَّقافةِ وأصحاب الفِكر عندنا إلى اللُّحوقِ بركبِ الغربِ في طفراتِه العِلميِّة، ومُنجزاتِه العِمرانيَّة؛ فهذا حقُّهم، وهذه وظيفتُهم؛ لكن المستهجَن -حَقًّا- أن يُسعَى إلى هذا التَّحديثِ والإصلاحِ على حسابِ المُقوِّماتِ العَقائديَّة والتَّشريعيَّةِ لهذه الأمَّةِ؛ حتَّى باتَ راسخًا في أذهانِ كثيرٍ مِن مُنظِّريهم، أنَّ مَشروعَ التَّقدُّم الحضاريِّ المَنشود، مَبدؤه مِن تجديدِ النَّظرِ في النُّصوصِ الشَّرعيَّة برُمَّتِها، ونزعِ قداستِها السُّلطويَّة مِن قلوبِ المسلمين، بغيةَ التَّحرُّرِ مِن قيودِها الحائلةِ دون مُواكبةِ أطوارِ الزَّمان ومُتطلَّبات الحداثة.
وهذا فكرٌ ينبو عن جهلٍ مُرَكِّب مِن صاحبه: جهلٍ بركيزةِ الإسلامِ ودورِه في إقامةِ الحضارة البشريَّةِ المُثلى؛ وجهلٍ بالتَّاريخِ، وكيف كان العَرب أذلَّ الأُمَم، حتَّى أعَزَّهم الله بهذا الدِّين، وجهلٍ بوَخيمِ ما ينتظرُ أحدَهم يومَ الحِساب.