ليس في الحديثِ -بفضلِ الله- ما يُستنكَر عقلًا، ولا ما يخالفُ كتابَ الله تعالى إذا ما نحن فهمناه الفهمَ الصَّحيحَ المُوافِقَ للشَّريعةِ المُراعي لأصولِها، وهذا لا يكون إلَّا بعد تحديدِ المُرادِ بخيانةِ حوَّاء من الحديث أوَّلًا، فبِمُوجِب الكشفِ عن ذلك، يَنحَلُّ ما يتبعُ ذلك مِن إشكالاتٍ في معنى الخبرِ.
لقد أجمَعَت كلمةُ العلماءِ قاطبةً على أنْ لفظ الخيانةِ في الحديثِ ليس مَقصودًا منه خِيانةُ الفِراشٍ، فإنَّ ذلك لم يَقَع لامرأةِ نبيٍّ قطُّ (١)، ولم يكُن أصلًا مع حوَّاء رَجلٌ آخر معها في الدُّنيا غيرُ زوجها آدم عليه السلام حتَّى يحتمِل الذِّهنُ للَّفظِ معنى الزِّنا؛ هذا ابتداءً.
فلأجل ذلك، نَحَى أهل العلمِ في بَيانِ مَعنى الخيانةِ الَّتي كانت مِن حوَّاء لزوجِها على قَولين مَشهورين:
القول الأوَّل: أنَّ المُراد بخيانةِ حَوَّاءٍ تَركُ زجرِها لزوجِها آدمَ حينَ عَزَم على الأكلِ مِن الشَّجرة؛ فكان تَرْكُ أمانةِ النُّصحِ له، والانسيابِ وراء رغبتِه، بمثابةِ الخيانةِ له.
(١) ولا امرأتي نوحٍ ولوط الكافرتين، فإنَّ خيانة الأولى إنَّما هو بإخبارها النَّاس أنَّه مجنون، وخيانة الثَّانية بدلالتها على الضَّيف، كما ذكر ذلك المفسِّرون، انظر «جامع البيان» للطَّبري (٢٣/ ١١١)، و «طرح التثريب» للعراقي (٧/ ٦٥).