للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي تقرير هذا المعنى، يقول ابن الجوزي: «خيانةُ حوَّاء زوجَها كانت في تَرْكِ النَّصيحةِ في أمرِ الشَّجرةِ، لا في غير ذلك» (١).

وقال ابن هُبيرة بعد تقريره لهذا المعنى في الحديث: « .. فعلى هذا، كلُّ مَن رأى أخاه المؤمنَ على سبيلِ ذلك، فتَرَكَ نُصحَه بالنَّهي عن ذلك النَّهي، فقد خانَه» (٢).

ومُؤدَّى هذا القول الأوَّل: أنَّ آدم عليه السلام كان هو المُبتدرَ إلى الأكلِ مِن الشَّجرة، العازمَ ابتداءً على اقترافِ المَعصيةِ، وأنَّه كان الأَوْلَى بحوَّاءَ أن لا تَتَّبع الهوى مثلَه، بل حقُّها أن تكُفَّه عن غَيِّه، لأنَّها بِطانَتُه، لكنَّها تركته حتَّى سايَرته في معصيتِه، فشاركته أكلَ الشَّجرة، فعُدَّت بذلك خائنةً لِمن كان حقُّه عليها أن تَذُبَّ عنه شُؤمَ المَعصيةِ، لا أن تُذهبَ عنه وحشةَ الانفرادِ بالمَعصية!

ولا يخفى ما في هذا القَولِ مِن نَقضِ دَعوى نَبزِ الحديثِ بالذُّكوريَّة (٣)، وتأصُّلِ النِّساءَ في الشرِّ، فإنَّ المُتَّهَم ابتداءً فيه بالمَعصيةِ -كما ترى- آدمُ لا حوَّاء! والَّذي كان مِن أُمِّنا أنَّها تَرَكت واجبَ النُّصحِ له، ثمَّ اتَّبَعَته في عَيْنِ مَعصيتِه.

ولا يُقال أنَّ هذا المَعنى يُناقض ما في كتابِ الله تعالى مِن إغراءِ الشَّيطانِ لهما جميعًا، مثلِ قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف: ٢٠]؛ فإنَّ آدمَ كان هنا الأرْغَبَ في الشَّجرةِ، والأعزمَ على فعلِ ما وَسوَس به الشَّيطان لهما جميعًا، أمَّا حوَّاء وإن كان قد وَقَع في نفسِها مِن ذلك شيءٌ، فإنَّها لم تستَبِح فعلَ ذلك إلَّا بعد استباحةِ زوجِها له، وكان الفَرْضُ أن تَنْهاه، لا أنْ تُقِرَّه على باطلٍ.

ومُحصَّل القول الأوَّل: سَبْقُ آدمَ إلى الأكلِ من جِهةِ عَزمِه على ذلك، وبهذا يَستقيم قولُهم بأنَّ الخيانةَ في الحديثِ: تَركُ حوَّاء نُصحَ آدم؛ وإلَّا لَوْ كانا بادَرا


(١) «كشف المشكل من حديث الصَّحيحين» (٣/ ٥٠٤).
(٢) «الإفصاح عن معاني الصِّحاح» (٧/ ٢٣٠).
(٣) كما تجده في مقالات عبد الحكيم الفيتوري بعنوان: «الأنثى والخيانة»، بمجلة «الحوار المتمدن» الإلكترونية (العدد ٢٨٩٥، بتاريخ ٢٧/ ٣/٢٠٠٩) و (العدد ٢٦٠٥، بتاريخ ٣/ ٤/٢٠٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>