للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الفعلِ جميعًا بُعَيْد الوَسْوَسة، وتَوَافقا عليه ابتداءً: لمَّا صَحَّ انفرادُ حوَّاء بوَصفِ الخيانةِ دون آدم، بل لَكان وَصْفُ آدم بذلك أَوْلى، لتَرْكِه نُصحَ زوجِه وهو القَوَّام عليها.

وأمَّا القول الثَّاني لأهل العلم فمحصِّله: أنَّ الشَّيطان لمَّا وَسْوَس لآدم عليه السلاموحوَّاء، وغرَّهُما بأكلِ الشَّجَرة كِليهما: صارَت حوَّاءُ بعد ذلك تُحرِّضُ زوجَها وتُزَيِّنُ له ذلك، «فجاءَ الوَسْواسُ نافِخًا في نارِ هذه الشَّهواتِ الغَريزيَّة، مُذَكِيًّا لها، مُثيرًا للنَّفسِ بها إلى مخالفةِ النَّهي، حتَّى نَسِيَ آدمُ عهدَ ربِّه، ولم يكُن له مِن العَزم ما يَصرِفه عن متابعةِ امرأتِه، ويَعتصم به مِن تأثيرِ شيطانِه» (١).

يقول القاضي عياض: «إنَّ إبليسَ إنَّما بَدَأ بحوَّاء، فأغْوَاها وزَيَّن لها، حتَّى جَعَلَها تأكلُ مِن الشَّجرة، ثمَّ أتَتْ آدم، فقالت له مِثلَ ذلك، حتَّى أكَلَ أيضًا هو» (٢).

ويقول ابن حجر: «فيه إشارةٌ إلى ما وَقَع مِن حوَّاء في تزيِينِها لآدمَ الأكلَ مِن الشَّجَرةِ، حتَّى وَقَع في ذلك، فمعنى خيانتِها: أنَّها قَبِلَت ما زَيَّن لها إبليس، حتَّى زيَّنته لآدم» (٣).

وكما هو بَادٍ من شرحِ هذا القول، ليس فيه ما يُنافي الخبرَ القرآنيَّ -بحمد لله-، فإنَّ تحريضَ حوَّاء لآدم وترغيبها له في الشَّجرة لا يَتَنافى مع كونِ إبليسَ هو مَن تَسَبَّب بالغِوايةِ لهما ابتِداءً، وأنَّ آدم قد غَرَّه الشَّيطان أيضًا ووَسْوَس له كما وَسْوَس لزوجِه حوَّاء؛ غاية ما جاء في الحديث زيادةٌ تفصيليَّةٌ يَسيرة لم تَرِد في مُجملِ الخَبرِ القرآنِيِّ، ولا شَكَّ أنَّ السُّنةَ تأتي مُفصِّلةً لِما أُجمِل في القرآن، وزائدةً عليه أحيانًا في ما سَكَت عنه ممَّا لا يَنقضُ أصلَه.


(١) «تفسير المنار» (٨/ ٣١١).
(٢) «إكمال المعلم» (٤/ ٦٨٢)، و «المُفهم» للقرطبي (١٣/ ٦٦).
(٣) «فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٣٦٨)، وانظر مثله في «تحفة الأبرار» للبيضاوي (٢/ ٣٧٣)، و «الكاشف عن حقائق السُّنن» للطيبي (٧/ ٢٣٢٦)، و «الكواكب الدَّراري» للكرماني (١٣/ ٢٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>