والحاصل مِن كِلا القَولين لأهل العلم: أنَّ الواردَ في القرآنِ: كونُهما أكَلا مِن الشَّجرة بعد الوَسوسة لهما جميعًا، فعُوقِبا على فعلِهما جميعًا، وورد فيه أيضًا نسبةُ العصيانِ لآدم وحدَه، في قولِه تعالى:{وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه: ١٢١]:
فأمَّا على القولِ الأوَّل: فلا تُشكل عليه الآية أصلًا، لأنَّ فيه أنَّ آدم هو المُبادر إلى الأكلِ، وكانت تابعةً له في ذلك، مع تركِ النُّصحِ له.
وأمَّا على القولِ الثَّاني: فحلُّ ما قد يظهر بينهما من تخالف بأن نقول:
إنَّ الآيةَ جاءت في سياقِ آياتٍ خَصَّت آدمَ بالذِّكر وحدَه، بدءً من قصَّةِ خَلْقِه، ثمَّ سجودِ الملائكةِ له، ثمَّ عَهْدِ الله إليه بعَدواةِ الشَّيطان له؛ فلمَّا أنْ وَقَع مِن آدمَ ما وقَع مِن المَحظور، نُسِبَت إليه المَعصيةُ بخصوصِه -مع وقوعِها مِن زوجِه أيضًا- باعتبارِه المَعْهودَ إليه بعِصيانِ عَدُوِّه ابتداءً، وكونِه القوَّامَ على أهلِه انتهاءً! ولكون مآل ذلك ستلحَقُه شقاوته هو دون زوجِه، مصداق قول ربَّنا تعالى له:{فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}[طه: ١١٧].
فلذلك كلِّه خُصِّ آدم عليه السلام بالمَعصية في هذا السِّياق.
وسواءٌ قُلْنَا بأنَّ خيانةَ حَوَّاء مِن قَبِيل تركِ النُّصحِ لآدم -كما القولُ الأوَّل- فإنَّ ذلك يَدلُّ على أنَّ آدمَ عليه السلام قد اغتَرَّ بوَسواسِ الشَّيطانِ، وهذا موافقٌ للقرآن.
أو قلنا أنَّ الخيانةَ مِن قَبِيل تَرغيبِها له في الشَّجَرةِ -كما القول الثَّاني- فلا يَتَنافى مع ما في القرآن من أنَّ الشَّيطان غَرَّ آدم أيضًا!
ليظهر أنَّ الحديث على كِلَا المَعنَيَيْنِ لا مَدْخَل لأحدٍ أن يَدَّعي عليه الانتحالَ مِن التَّوراة؛ فإنَّ التَّوراة تجعلُ الوَسْواسَ متوجِهًا إلى حَوَّاءَ وحدها دون آدم! وأنَّ آدم إنَّما أكَل رضوخًا لتَزيِين زوجِه له ذلك، كما ورد به الإصحاحُ الثَّالث مِن سِفْرِ التَّكوين (١).
(١) ولذا جاء في رسالة بولس إلى ثيماتاوس (الإصحاح الثاني، عدد ١٤، ص ٣٣) قولُ بولس: « .. وآدم لم يَغوِ، ولكن المرأة أغوت فحصلت في التَّعدي .. ».