المَطلب الثَّالث دَفع المعارضاتِ الفكريَّة المعاصرةِ عن حديث:«مفاتح الغيب خَمسٌ»
أمَّا جواب الوجه الأوَّل مِن أوجهِ ردِّ هذا الحديث، في دعوى المُعترضِ مخالفةَ الحديثِ القرآنَ بتقييِده لمفاتح الغيب في خمسة:
فإنَّ المُتحقَّق علمُه عند الرَّاسخين في علمِ الوَحيَيْن، أنَّ أوْلى ما سَلكوه مِن طُرقٍ لتَفسيرِ كلامِ الله كلامُ الله نفسُه، ثمَّ تفسيرُهم إيَّاه بكلامِ أعلَمِ الخلقِ به صلى الله عليه وسلم.
ومِن جميلِ مُوافقاتِ هذا الحديثِ وفضائلِه، أنَّه جَمَع بين هذين المَسلَكينِ الحُسنيَيْن؛ فإنَّ فيه تفسيرًا نَبويًّا لِما أُجمِل في القرآنِ بالقرآنِ، وهذا الرَّبطُ النَّبويُّ بين الآيَتين لا ريبَ في حُرمةِ فَكِّه ولو باجتهاد، اللَّهم إلَّا عند مَن لا يرفعُ للسُّنةِ رأسًا، فهؤلاء حَقُّهم أن يُرجَع بهم إلى أصولِ الإسلامِ بقناعة، واستِتابتِهم عن غيِّهم وشذوذِهم عن الجماعةِ.
أقول هذا؛ لأنَّ مثلَ (جواد عفانة) حينَ تَأبَّط شرَّ هذه الشُّبهة، كان قد لهجَ بقدرِ السُّنة قبلُ وتبرَّم مِن إنكارها، ولا يَفتأ يُذَكِّر مُعجَبيهِ بـ «أنَّ الذِّكرَ هو القرآن، وأنَّ السُّنةَ هي بيانُه، بما يُفهَم منه أنَّ السُّنة تبيِّن القرآن: تُفصِّل بعضَ مُجملِه، وتقيِّد بعضَ مُطلقِه، وتخصِّصُ بعض عمومِه، ولا شيء غيره»(١).