للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأين تَقريرُه الحلوُ هذا مِن مَرارةِ إنكارِه تفسيرَ آيةٍ بسُنَّةٍ تَلقَّتها الأمَّة بالقَبول؟! لكنَّه الفَهمُ السَّقيم حين يَتجَرَّع الهَوى، فيجعلُ الدَّاءَ في أصلِ الدَّوَا؛ والهادي هو الله.

فلننظُر بعدُ إلى حديثِ أبي هريرة هذا: هل فيه حصرٌ لمَفاتح الغيبِ في خمسةٍ بعينِها، دون أن يشملَ ذلك عالمَ الغَيبِ كلِّه، كما يدَّعي المعترض؟

إنْ كان قولُه تعالى المُجمَل: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ ... } دَالًّا على شُمولِ علمِ الله تعالى لكلِّ شيءٍ، بَدءً مِن الكُليَّات وما عَظُم منها -وهي مفاتح الغيب-، إلى الجزئياتِ الدَّقيقة وما خَفي منها: فغايةُ ما في الآيةُ الأخرى: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ... } تفصيلُ أصولِ تلك الغَيبيَّاتِ في الآية السَّابقة، بحصرِها في خمسةٍ كبرى ترجع إليها سائر المُغيَّبات.

بيان ذلك:

في أنَّ تخصيصَ الحديثَ لتلكم الخمسةِ المذكورةِ فيه بلفظِ: «مَفاتح الغيب»، إنَّما هو باعتبارِ أنَّ تلك الخمسة هي «الأمَّهات، فإنَّ الأمورَ إمَّا أن تَتَعلَّق:

بالآخرة: وهو عِلم السَّاعة.

أو بالدُّنيا: وذلك إمَّا مُتعلَّق: بالجمادِ المَأخوذِ مِن الغَيب.

أو بالحيوانِ في مَبدئِه: وهو ما في الأرحام.

أو معاشِه: وهو الكَسب.

أو معادِه: وهو المَوت» (١).

وهذا ما قرَّره ابنُ عطيَّة مُرادًا للحديثِ بقوله: «لن تجِدَ مِن المُغيَّبات شيئًا إلَّا هذه -يعني الخمسة- أو ما يُعيده النَّظرُ والتَّأويلُ إليها» (٢).


(١) «فيض القدير» للمناوي (٥/ ٥٢٥).
(٢) «المحرر الوجيز» (٤/ ٣٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>