للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا وجهُ التَّعبير عنها بالمفاتيحِ: فـ «لتقريبِ الأمرِ على السَّامع، لأنَّ كلَّ شيءٍ جُعل بينك وبينه حجابٌ فقد غُيِّب عنك، والتَّوصُّل إلى معرفتِه في العادةِ مِن الباب، فإذا أُغلِق الباب، احتِيج إلى المفتاح، فإذا كان الشَّيء الَّذي لا يُطلَّع على الغيبِ إلَّا بتوصيله لا يُعرَف موضعُه، فكيف يُعرف المُغيَّب؟!» (١).

ثمَّ دعوى المُعترضِ في الوَجه الثَّاني عدمَ دلالةِ الآية على استئثارِ الله تعالى بعلمِ نزولِ الغيث وما في الأرحامِ:

لا يقوم على ساقِ العقلِ لكلامِ اللهِ ورسولِه، وهو مُنكر مِن القَولِ، لم ينبِس به أحدٌ مِن الأوَّلين والآخرين مِن أهلِ المِلَّة، وإجماعُ أهلِ السُّنة قائمٌ على اختصاصِ علمِ الله تعالى بهذه الخمسِ.

ومجادلةُ المعترضِ بتَغايُرِ صِيَغِ الجُمَل في الآية، ليَتوَسَّل بذلك إلى نَفيِ الاشتراكِ في المَذكوراتِ في معنى الحصرِ: قولٌ أجنبيٌّ عن أهل اللُّغة، يَأباه سياق الآيةِ نفسِها.

فأمَّا لُغةً: فالأصل في (واو) العطفِ أن تفيد اشتراك المَعطوفِ في المعنى المُراد في المَعطوفِ عليه، ولا نزاع في دَلالةِ المعطوف عليه في قوله: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} على الحصرِ، ومقتضى ذلك أن يَدلُّ ما عُطِف عليه، مِن إنزالِ الغيثِ والعلم بالأرحامِ على الحصرِ أيضًا.

وأمَّا السِّياق: فالآية لم تُسَق إلَّا تمدُّحًا لله بالاختصاصِ، فإخراجُ بعضِ ما تشمَله دَلالةُ السِّياق إخلالٌ بما سِيق له، وهو منافٍ للبلاغة، وتفتيتٌ لتماسكِ الآية برُمَّتِها.

وفي تقرير هذا الجواب، يقول العِراقيُّ (ت ٨٠٦ هـ): «إنَّه لو لم يكن مَعناه النَّفي (٢) لقلَّت فائدتُه، لأنَّه تعالى عنده عِلم كلِّ شيء، فلا معنى لتخصيصِ هذه الأمورِ بالذِّكرِ إلَّا اختصاصُه بعلمِها» (٣).


(١) نقله ابن حجر عن ابن أبي جمرة في «فتح الباري» (٨/ ٥١٤).
(٢) يعني نفيَ العلم بهذه الأشياء الخمسة في الآية عن غير الله.
(٣) «طرح التثريب» (٨/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>