للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا كون المَعطوفِ عليه جملةً اِسميَّة مُغايرًا لفعليَّةِ المَعطوف: فليس في ذلك إبطالًا لِما قرَّرناه مِن وجوبِ الاشتراكِ، بل هو مُثبتٌ لها مع زيادةِ فائدة، وذلك:

أنَّ الجملة الفِعليَّة المَعطوفة {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} تقديرُها: وإنَّ الله يُنزِّل الغيث، «وهذا يُفيد التَّخصيصَ بتنزيلِ الغَيثِ، والمقصود أيضًا عنده: علم وقتِ نزولِ الغيث، وليس المقصود مُجرَّد الإخبارَ بأنَّه يُنزِّل الغيث، لأنَّ ذلك ليس ممَّا يُنكرونه، ولكن نُظِمت الجملة بأسلوبِ الفعلِ المضارعِ، ليحصُلَ مع الدَّلالةِ على الاستئثارِ بالعلمِ به الامتنانُ بذلك المَعلوم الَّذي هو نعمة، وفي اختيارِ الفعلِ المضارعِ إفادةُ أنَّه يُجدِّد إنزالَ الغيثِ المرَّة بعد المرَّة عند احتياج الأرض ..

وعُطِف عليه {وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ}، وجِيء بالمضارع فيه: لإفادةِ تكرُّرِ العلمِ بتَبدُّل تلك الأطوار والأحوال، والمعنى: ينفرِد بعلمِ جميع تلك الأطوار الَّتي لا يعلَمُها النَّاس، لأنَّه عطفٌ على ما قُصِد منه الحَصر، فكان المُسنَد الفِعليُّ المتأخِّر عن المسند إليه مُفيدًا للاختصاصِ بالقرينة» (١).

وأمَّا رَدُّ المُعترِض للحديثِ في الوجهِ الثَّالث من المُعارضاتِ، بدعوى أنَّ الحديث استعملَ لفظَ (المطر)، فخالفَ استعمالَ القرآنِ له في العَذابِ:

فإنَّ قولَنا بأنَّ السُّنة وَحي ثاني، لا يَلزم منه تطابُق ألفاظِه مع ألفاظِ الوَحي الأوَّل، فلِكلٍّ خَصائصه الَّتي تُميِّزه، ومَفادُهما واحدٌ لا اختلافَ فيه.

وألسنةَ العَرب قد جَرت على الإبدالِ بين لَفظي (المَطَر) و (الغَيثِ) بلا غَضاضة (٢)، وجاءت بذا الأخبار النَّبويَّة نفسُها عن الجَمٍّ الغَفيرٍ مِن أربابِ البَيانِ وفَصيحِ اللِّسانِ، ما سمِعنا أحدًا منهم اعترَض على الحديثِ كاعتِراضِ مَن ابتُلينا به مِن مُتفيهِقةِ الزَّمَان.


(١) «التحرير والتنوير» لابن عاشور (٢١/ ١٩٧).
(٢) انظر «معجم مقاييس اللغة» لابن فارس (٥/ ٣٣٢)، و «لسان العرب» لابن منظر (٥/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>