(٢) انظر هذا التقسيم في «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (١٣/ ٣٥٣). ويلاحظ في وصفِ ابن تيميَّة لهذا الطَّرف الثَّاني أنَّه لم ينسب إليه القولَ باعتقادِ القطعِ بكلِّ آحاد رواه الثِّقة، وإنَّما وصفهم بسوءِ استعمالهم لهذه الآحاد وتجازوهم للحدِّ المعقول فيها لفرطِ جهلهم بمنزلتِها المُستحقَّة، وإلَّا فلا أحد من العقلاء يقول ذلك. وِمن هنا يظهر غلط عددٍ من الأصوليِّين في نسبةِ القولِ بإفادة الحديث الواحدِ للقطع إلى الحنابلة وأهل الظَّاهر، ونبزِهِم فوق ذلك بـ «الحشويَّة» لأجل ذلك، كما تراه عند الجُويني في «البرهان» (١/ ٢٣١) -غفر الله له-، وهذا ناتج عن توهُّمِه من بعض عبارات المحدِّثين، أنَّهم يحكمون للآحاد بالعلمِ اكتفاءً بظاهر الإسناد، دون التدقيق في باطن عِللها والنَّظر في مُعارضات ذلك. هذا فضلًا عمَّن يغلِط على أحمد بنسبة هذا القولِ إليه! كما تَراه عند الآمديِّ في «الإحكام» (٢/ ٣٢)، وبَيَّن أبو يعلى في «العُدة» (٣/ ٩٠٠ - ٩٠١) أنَّ إمامَه أحمد إنَّما يقول بالعلمِ إذا كان الحديث قد تُلقيَّ بالقبول، أو احتفَّ به من القرائن ما يفيده ذلك.
وقد أغلظَ ابنُ القيِّم القولَ في هؤلاء الأصوليِّين لأجل هذه النِّسبة المغلوطةِ، حتَّى قال: «كذب بعض الأصوليِّين كذبًا صريحًا لم يقله أحد قطُّ، فقال: مذهب أحمد في إحدى الرِّوايتين عنه أنَّ خبر الواحد يفيد العلم من غير قرينة، وهو مطَّرد عندهم في كلِّ خبر! .. فيا لِله العجب! كيف لا يَستحي العاقل من المجاهرة بالكذب على أئمَّة الإسلام؟! لكنَّ عذر هذا وأمثاله أنهم يستجيزون نقلَ المذاهب عن النَّاس بلازم أقوالهِم، ويجعلون لازم المذهب في اصطلاحهم مذهبًا»؛ انظر «مختصر الصَّواعق المرسلة» (ص/٦١٥).