لا يَزال حديث الجارية مُشكلًا على كثيرٍ مِن المُحصِّلين حقيقةُ ما أريد به، قد تَشعَّبت بهم صِيَغ القول فيه؛ حتَّى أفضى بفريقٍ إلى ادِّعاء ما لا يُعرَف له في تأويلِ الحديث أصل (١)، فهؤلاء لا نتشاغل بنقدِ مَقالتِهم تلك ما داموا يُقرِّون لنا بثبوتِه؛ وإنَّما وِجهة النَّقد صَوْبَ فريقٍ انتهى إلى النَّكير والطَّعن في الحديث على عمياء! فلم يعُد إليهم مِن ذلك إلَّا إفكٌ صَريح، إذْ قابلوا الصِّدقَ بالكذب، وعارضوا اليَقين بالشَّك.
فكان أشهر مَن تولَّى منهم كِبرَ ذلك في زمانِنا هذا رجُلان، أحدهما في المشرقِ والآخر في المغرب؛ فأمَّا المَشرقيُّ: فمحمَّد زاهد الكوثريُّ، وأمَّا المَغربيُّ: فعبد الله بن الصِّديق الغُماري؛ ثمَّ رَدَّد مزاعمَهما واغتَّر بشُبهاتهما مَن لا تحقيقَ له في فنِّ الرِّوايةِ، ولا فهمَ له في علم الدِّراية، ألصقُهم بهذين الوصفينِ تلميذٌ أردنيٌّ للغُماريِّ يُدعَى (حسن السَّقاف).
(١) انظر بعضًا من هذه التَّأويلات لحديث الجارية في: «مشكل الحديث» لابن فورك (ص/١٥٨)، و «المواقف» للآمدي (٣/ ٣٧)، و «كشف المشكل من حديث الصحيحين» لابن الجوزي (٤/ ٢٣٥)، و «شرح النووي على مسلم» (٥/ ٢٤).