للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس يشكُّ حَديثيٌّ أنَّ القولَ بضعفِ حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه تَنكُّب عن جماعةِ المُحدِّثين، ونَقضٌ لمِا توارَدت عليه أجيالُ الأمَّة مِن تَلقِّيه بالقَبول؛ فأهل الصَّنعةِ مُسلِّمون بثبوتِه، منهم: البَيهقيُّ (١)، وابن عبد البرِّ (٢)، والبَغويُّ (٣)، والجورقاني (٤)، وابن قدامة المقدسيُّ (٥)، والذَّهبي (٦)، وابن حجر العسقلانيُّ (٧)، وابن الوزير اليَماني (٨)، وغيرهم كثير.

لكن بعض مَن أسلفتُ ذكرَ أسَاميهم مِن مُنكري الحديث لم يرفعوا بكلامِ هؤلاءِ الأعلامِ رأسًا، بل طافوا حولَ الحديث تهويشًا بكلِّ شُبهةٍ وقذفًا بكلِّ مَظِنَّة، قصد الانفكاك عن مُقتضى ما في السُّؤالِ عن الله بأين مِن إثباتِ العُلوِّ له سبحانه.

والسَّبيل فيما صحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُتلقَّى بالقَبول، والإذعان لخبرِه على مُرادِه، فقد كان صلى الله عليه وسلم أعرفَ الخلق بالله -بأبي هو وأمِّي-، وأعلمهم بطريق الهداية إليه؛ فليس لأحدٍ مِن خلقِ الله أن يشمئزَّ عن قَالةٍ قالها، أو يتنكَّب عن مَحجَّة سَلكها، فما يأتي منه صلى الله عليه وسلم إلَّا ما طابَ وكرُم، وما له مِنَّا فيما بلَغنا عنه إلَّا السَّمع والطَّاعة، والرِّضا والتَّسليم.

هذا؛ وإنَّ المُتنفِّر عن مثلِ هذا الحديث، المُجِدَّ في الهربِ عنه، لو أنعمَ النَّظر فيه، مع ما يُتلى عليه مِن الآياتِ والذِّكر الحكيم، ويُروى له مِن السُّنَن بالنَّقل القويم: لن يُعدَم له نظائر في القَبِيلَيْن.


(١) «الأسماء والصفات» (٢/ ٣٢٥).
(٢) «الاستيعاب» (٣/ ١٤١٥).
(٣) «شرح السُّنة» (٣/ ٢٣٩).
(٤) «الأباطيل والمناكير» (٢/ ٣٩١).
(٥) «إثبات صفة العلو» (ص/٦٩).
(٦) «العلو» (ص/١٤).
(٧) «فتح الباري» (١٣/ ٣٥٩).
(٨) «العواصم والقواصم» (١/ ٣٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>