لا شكَّ أنَّ للحبَّة السَّوداء فوائد عظيمة في علاجِ كثيرٍ من الأمراض والوقاية منها، وسترى مِن البحوث الحديثةِ ما يزخر بالتَّجارب المُثبتة لتأثير هذه النَّبتةِ المُباركةِ في ما يُعجَز عن إحصائه مِن الأدواء المتنوِّعة الَّتي تصيب النَّاس.
لكنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم في حديثِه عن فضلِ الحبَّة السَّوداء في شفاءِ الأدواء، لم يُرد الاكتفاء بها عن التَّداوي لكلِّ مرضٍ بما يناسبه مِن الأدوية الأخرى، فهو نفسُه لم يصِفها لكلِّ مريضٍ اشتكى له! بل كان يُرشد أحيانًا إلى العَسل لِمن استطلق بطنُه، وأحيانًا بالحجامة لمِن أوجعه رأسُه .. إلخ.
وهذا الحديث المشهور لا ريب أنَّه مُتداول في الأمَّة منذ عصر الصَّحابة ثمَّ التَّابعين وأتباعهم إلى يومنا هذا، لم يُنكره أحدٌ منهم بدعوى أنَّ الطِّب والواقع يكذِّبه، كما يدَّعيه مُتعجِّلة المعاصرين، لأنَّ أحدًا مِن عقلاء السَّلف ولا الخَلف فَهِم منه ما فهمِه هؤلاء مِن كفايةِ الحبَّة السَّوداء وحدَها في شفاءِ جميعِ الأمراضِ.
ومَن تأمَّل ألفاظ الحديث، بَان له الخُلف الكبير بين المُراد منها وبين ذاك الفهم المُحْدَث، فإنَّه لو قدَّرنا مَجيء لفظ الشِّفاء بالتَّعريف في الحديث هكذا:« .. هو الشِّفاء لكلِّ داء» لرُبَّما لجعلَنا ذاك الفهمِ المُحدَث نوعَ اعتبارٍ وتأويل؛