يحتجُّ أغلبُ مَن يَردُّ أحاديث «الصَّحيحين» على سَواغ ذلك بأنَّ آحادها لا تعدو نِطاقَ الظَّنيَّة بحال، فهي على ذلك مُحتملةٌ للكذبِ والخطأ، على تفاوتٍ بينها في درجات هذا الاحتمال؛ فهي لأجلِ وصفِها الظنِّي هذا لا تقوى على الصُّمودِ أمامَ ما يرَونَه قطعيًّا من المعقولِ أو المحسوسِ، فلا حرجَ حينئذٍ من تعليل هذا الظَّنيِّ بل تكذيبِه! حتَّى وإن جرى عمل المتقدِّمين على تصحيحِه والعمل به.
وفي تقرير هذا المبدأ يقول (محمَّد رشيد رضا): «رواياتُ الآحادِ العدولِ الثِّقات -كالصَّحابة وأئمَّة التَّابعين المعروفين، ومَن عُرف بالصِّدق وحسن السِّيرة مثلهم- لا يفيد أكثر من الظَّن، وأجمعوا على أنَّه إذا رُوي عنهم ما يخالف المعقول القطعيَّ والمنقول القطعيَّ كنصِّ القرآن: فإنَّه لا يُعتدُّ بالرِّواية ولا يُعوَّل عليها، إلَّا أن يُوفَّق بينها وبين القطعيِّ منقولًا كان أو معقولًا فقط»(١).
وهؤلاء في مثل حكمهم هذا لا يفرِّقون بين ما أخرجه الشَّيخان، وبين ما في سائر كُتب الحديث -إلَّا المتواتر- فالكلُّ عندهم منضوٍ تحت ذاك الأصل العامِّ من الظَّنيَّة.