للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلأجل هذا نرى مسلمًا قليلَ الاختصارِ للمتون، وما اختصَره إمَّا أن يذكُرَه بتمامِه في مَوضعٍ آخر (١)، أو لا يذكُره تامًّا أبدًا (٢)، وهو يُنبِّه على ذلك في الأغلبِ بقوله: «ذَكَر الحديث .. »، أو «مثل حديثِ فلانٍ» ونحوها مِن العباراتِ، وقد لا يَنُصَّ صراحةً على الاختصار (٣).

وفي ختام هذا المبحث: أستطيع أن أُسجِّل هنا بلا ارتيابٍ قناعتي بأنَّ انعدامَ الخِبرة عند هؤلاء المُعترضين المُعاصرين في التَّعاملِ مع التُّراثِ الشَّرعيِّ على وجهِ العموم، وضحالةَ المعرفةِ بطبيعةِ علوم التَّوثيق القديمة، والغفلة عن مناهج المُتقدِّمين في عرضِ المادَّة العلميَّة في مُصنَّفاتهم على وجه الخصوص: هو السَّببُ الرَّئيسُ في مثلِ تلك الإِيراداتِ المتهوِّرة على تصنيفاتِ المُتقدِّمين؛ ناهيكَ إن كان صاحبُ هذا الإيرادِ مِمَّن أُشرب قلبُه حقدًا على السُّنة.

ونحن إذْ نقول هذا، نُدرِك يقينًا أنَّ بعضَ المُتفرِّغين لطرحِ شُبهاتِهم على مَصادرِ أهل الحديثِ لَيَعلمون مِقدارَ السُّخفِ في كثيرٍ ممَّا يَطرحونه، لكنَّهم مُسترسِلون في هذا الطَّرحِ، فإنَّه في ظنِّهم لا بدَّ أن تجِدَ مَحلًّا عند ضِعافِ العقولِ وضِعاف الهُويَّة! والغايةُ تهشيمُ قضايا التَّسليمِ لأصولِ الشَّريعة، والتَّشكيكُ في مَصادر تلقِّيها، لِعلمِهم بأنَّ لكلِّ ساقطةٍ لاقط، والله مِن رواءهم محيط.


(١) مثاله ما أخرجه في (ك: النكاح، باب: باب تحريم الخطبة على خطبة أخيه، حتى يأذن أو يترك، برقم: ١٤١٣) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يسم المسلم على سوم أخيه، ولا يخطب على خطبته»، ثم كرره في (ك: البيوع، باب: تحريم بيع الرجل على بيع أخيه وسومه، برقم: ١٥١٥)، بلفظ: «لا يسم المسلم على سوم أخيه».
(٢) انظر مثاله في (ك: الحيض، باب: جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له، برقم: ٣٠٧).
(٣) بخلاف ما توحيه عبارة العلاء ابن العطار في «غرر الفوائد المجموعة» (ص/٢٧٩) من أن «الظَّاهر من مذهب مسلم إيراد الحديث بكامله من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه (مثل حديث فلان) أو نحوه»، وتبعه عليه طاهر الجزائري في «توجيه النظر» (٢/ ٧٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>