لا شكَّ أنَّ مَن ردَّ هذا الحديث في عذاب الميِّت ببكاء أهلِه عليه عَلَمان مِن أعلامِ العلمِ من الصَّحابة الكِرام: عائشة وابن عبَّاس رضي الله عنهم؛ غير أنَّ هذا الرَدَّ منهما للخَبر ليس عن تقدمةٍ للعقلِ على النَّقلِ! -كما توهَّمه هؤلاء الطَّاعنون في الحديث-، وإنَّما تقديمًا لِما يرَيَانِه دَلالةً نَقليَّةً قاطعةً على دَلالةٍ نقليَّةٍ ظَنيَّةٍ؛ وفرقٌ بين المُوجِبين في النَّظر إلى الأخبار.
فها هي عائشة رضي الله عنها تجهرُ بأنَّ مقتضى استنكارِها للخبرِ: مُناقضته لآية: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤]، مع ما نقلته هي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم مِن لفظٍ آخر يخالف لفظَ عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهم للحديث.
فكان ظاهر القرآن مُوجبًا عندها لتَقديمِ لفظِ روايتِها هي على روايةِ غيرها مِمَّا ظنَّته مُعارِضًا لظاهرِ القرآن؛ وإن كان هذا الاعتداد منها بلفظِ روايتِها دون لفظِ غيرها من الصَّحابة أمر قد أخطأت فيه رضي الله عنها.
يقول الخطَّابي: «الرِّواية إذا ثَبَتَت، لم يُمكن إلى دفعِها سبيلٌ بالظَّن، وقد رواه ثلاثةُ أنفسٍ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: عمر، وابن عمر، والمغيرة؛ وليس فيما حَكَت عائشةُ مِن مرورِ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهوديةٍ يبكي عليها أهلُها ما يدفع روايةَ عمر