الاعتراضُ على الاحتجاجِ بالتَّلقِّي مِن جِهة وجهِ الاستدلال والجواب عن ذلك
الفرع الأوَّل: الاعتراض بالمشاركة في الاستدلال بالتَّلقي.
والمَقصود بهذا النَّوع مِن الاعتراض: إتيانُ المُعترضِ بوجهٍ للاستدلالِ مِن دليل الإجماعِ، يُخالف ما ذَهَب إليه المُستدِلُّ به، وهو بهذا الاعتبار، إنَّما يكون بعد التَّسليمِ بسلامةِ التَّلقي أو الإجماعِ وحُجِّيَته (١).
وهذا عين ما سَلَكه النَّوويُّ ومَن تبعه على ما قرَّره ابن الصَّلاح في حقِّ أحاديث «الصَّحيحين» مِن نتيجتِه الحُكميَّة، حيث رأوا أنَّ اتِّفاقَ العلماءِ إنَّما أوجبَ العَملَ بأحاديثهما، لا القطعَ بنسبتِها في نفسِ الأمر كما قولُ ابن الصَّلاح.
فدعوى النَّووي تتَلخَّص في أنَّ تصحيحَ المُحدِّثين للخبرِ المستجمعِ لشروطِ الصِّحة يَجري على حُكمِ الظَّاهرِ لا الباطنِ، وأنَّ غايةَ ما في الحكمِ الظَّاهرِ أن يُفيد الظَّن الرَّاجح، فلا وجهَ عندهم للقطعِ والحالةُ هذه.
ومَنشأ الغَلط في هذا الاعتراضِ كامنٌ في فهمِ ما يَقصده المُحدِّثون بتعبيرِهم:(إنَّ هذا الحديث تَلقَّته الأمَّة بالقَبول)، حيث ظنَّ النَّووي ومَن معه أنَّ
(١) انظر «قوادح الاستدلال بالإجماع» (ص/٤١٣)، و «المهذب في علم أصول الفقه المقارن» (٥/ ٢٢٩٦).