للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُستنَد ابن الصَّلاح في جزمِه بالصحَّة هو النَّظر إلى مجرَّد اتِّفاقِ العلماء على العملِ بمتونِ تلك الأحاديثِ وتصحيحِهم لأسانيدِها؛ وهذا ما يُفسِّر لنا لِمَ شنَّع العزُّ بن عبد السَّلام (ت ٦٦٠ هـ) على ابن الصَّلاح قولَه في إفادة أحاديث الصَّحيحين للعلم، وتشبيهه بقول بعضِ المعتزلة الَّذين يَرون أنَّ الأمَّة إذا عمِلت بحديثٍ، اقتضى ذلك القطعَ بصِحَّته (١)، قال: «وهو مَذهبٌ رَديءٌ» (٢)!

فعلى أساس هذا التَّصوُّر بنى النَّوويُّ ردَّه على مذهبِ جمهور أهل الحديثِ، مُستشهدًا بموقف ابنِ برهانَ البغداديِّ (ت ٥١٨ هـ) (٣) مِن أصلِ مَقولتِه (٤): أنَّ الصَّحيحَ ما ذهب إليه المُحقِّقون والأكثرون -على حَدِّ عِبارتِه- مِن انتفاءِ «الفرقِ بين البخاريِّ ومسلم وبين غيرهِما في ذلك، فإنَّ أخبارَ الآحاد الَّتي في غيرهما، يجبُ العمل بها إذا صَحَّت أسانيدها، ولا تُفيد إلَّا الظَّن، فكذا الصَّحيحان» (٥).

ومِن ثمَّ لم يكُن للكِتابين مَزيَّة عند النَّووي وابنِ برهان غير الجزم بالصِّحة الإسناديَّة واستوجابِ العمل، وبهذا افترقا عن باقي كُتبِ الحديثِ، أي «في كونِ ما فيهما صحيحًا لا يُحتاج إلى النَّظرِ فيه، بل يجب العملُ به مُطلقًا، وما كان في غيرهِم لا يُعمَل به، حتَّى يُنظر وتوجد فيه شروط الصَّحيح؛ ولا يَلزم مِن إجماع الأمَّة على العملِ بما فيهما، إجماعُهم على أنَّه مَقطوع بأنَّه كلام النَّبي صلى الله عليه وسلم» (٦).

ومِمَّن سلك هذا المسلكَ أيضًا في الاعتراضِ على هذه الجِهة من الاستدلال: بعضُ المُتفقِّهة مِمَّن قَفَى قولًا غريبًا حمَّل فيه كلامَ ابنَ الصَّلاحِ ما


(١) انظر «المعتمد» لأبي الحسين البصري المعتزلي (٢/ ٨٤).
(٢) «التقييد والإيضاح» للعراقي (ص/٤١).
(٣) أحمد بن علي بن برهان أبو الفتح: فقيه بغدادي شافعيٌّ، غلب عليه علم الأصول، كان يضرب به المثل في حل الإشكال، من تصانيفه (البسيط) و (الوسيط) و (الوجيز) في الفقه، و (الوصول إلى الأصول)، انظر «أعلام النبلاء» (١٩/ ٤٥٦).
(٤) «الوصول إلى الأصول» لابن برهان البغدادي (٢/ ١٧٤).
(٥) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٢٠) بتصرف يسير.
(٦) «شرح النووي على صحيح مسلم» (١/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>