للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يحتملُ، حيث ادَّعَى أبو الفضل الأدفويُّ (ت ٧٤٨ هـ) (١) في كتابه «الإمتاع بأحكامِ السَّماع»، أنَّ ما احتجَّ به ابن الصَّلاح مِن تَلقِّي الأمَّةِ للصَّحيحين بالقَبول على القطعِ بما فيهما عند عدمِ المُعارض: أنَّ هذا لا يختصُّ بالصَّحيحين، فإنَّ الأمَّة تَلقَّت الكُتب الخمسةَ أو السِّتةَ أيضًا بالَقبول، وأنَّ جماعةً أطلقوا عليها اسمَ الصَّحيح أيضًا! (٢)

والجواب على هذا النَّوع من الاعتراض من عدَّة وجوه:

الوجه الأوَّل: إنَّ مجملَ ما ساقَه المُعترضون في الرَّد على أبي عمرو ابن الصَّلاح، راجعٌ إلى اعتقاد أنَّ الاتِّفاقِ على تلقِّي الأمَّة «الصَّحيحين» بالقَبول إنَّما هو اتِّفاق على العملِ بمتونِها فحسب، غير أنَّ النَّاظر في كلامِ مَن تَوَّلى حكايةَ هذا التَّلقي مِن الأئمَّة، يظهر له جليًّا تقصُّدهم لصحَّةَ النِّسبة وصِدقِها لا مُجرَّد العَمل.

شاهد ذلك: ما نقلَه ابن الصَّلاح عن أبي نصر السِّجزي (ت ٤٤٤ هـ) وأبي المعالي الجُويني (ت ٤٧٨ هـ) مِن حُكمِهما بعدمِ حنثِ مَن حَلف بأنَّ ما حَكَمَ الشَّيخان بصحَّتِه هو مِن قولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم (٣)، فهذا لا شكَّ منهما مُتِّجهٌ إلى تصديق نسبةِ الأخبارِ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم لا مجرَّد العمل.

ثمَّ الأصلُ في حكمِ المُحدِّثين على حديثٍ ما أن يتعلَّق بصدقِ النِّسبةِ إلى


(١) جعفر بن ثعلب بن جعفر الأدفوي أبو الفضل: مؤرخ، له علم بالأدب والفقه والموسيقى، وُلد في أدفو بصعيد مصر، وتعلم بقوص والقاهرة، وتوفي بهذه بعد عودته من الحج، انظر «الأعلام» للزركلي (٢/ ١٢٢).
(٢) كتابه هذا لم يزل مخطوطًا إلى ساعة كتابتي لهذه الأحرف، وقد نقل عنه هذا النَّص علي الميلاني في كتابه «نفحات الأزهار في خلاصة عقبات الأنوار» (ج ٦/ ١٥٤).
وقد أشار إليه وإلى كلامِه هذا الزَّركشي في «النُّكت على مقدمة ابن الصلاح» (١/ ٢٧٨) دون أن يُسمِّيه، والعجيب أنْ احتَمَله الصَّنعاني في ردِّه على ابن الصلاح! كما في «ثمرات النَّظر» (ص/١٣٣).

ثم نمى إلى علمي انكباب عدة محققين على إخراج هذا الكتاب للأدفوي! ثلاثة منهم سيخرجونه في معارض هذه السنة ٢٠٢٠ م، من خلال دار اللباب بتركيا، ودار الرسالة بالقاهرة، ومركز الأطرش بتونس.
(٣) «أنواع علوم الحديث» (ص/٢٦)، و «صيانة صحيح مسلم» لابن الصلاح (ص/٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>