لا شَكَّ أنَّ استشكالَ النّص الشَّرعي بعامَّةٍ راجع إلى أسبابٍ مَوضوعيَّة كثيرةٍ، مردُّهما إلى أصْلَين رَئِيسين، هما: الغلطُ في الفهمِ، والغلَط في ثبوتِ النَّص.
وإليهما أشارَ ابن تيميَّة في قولِه:« .. إمَّا فسادُ دلالةِ ما احتجَّ به مِن النَّص، بأنْ لا يكون ثابتًا عن المعصوم، أو لا يكون دالًّا على ما ظَنَّه، أو فساد دلالة ما احتجَّ به مِن الميزان بفسادِ بعضِ مُقدِّماتِه أو كلِّها»(١).
الفرع الأوَّل: السَّبب الأوَّل لاستشكال النُّصوص: الغَلَط في الفَهْمِ.
حُسن الفهم عن الله ورسولِه أصل كلِّ استقامةٍ وهدايةٍ في الدِّين والدُّنيا، وسوء الفهم عن الله ورسولِه، سببُ كلِّ انحرافٍ وضلالةٍ نشأت عبر عصورِ الإسلام؛ ومُعظم الفِرق الضَّالة، والجماعات البدعيَّة، إنَّما أهلكها سوء الفهم عن الله، فإذا انضمَّ إليه سوء القصد، صار حالقةً للدِّين بالتَّحريفِ والتَّبديل.
ولابن القيِّم كلمةٌ مضيئةٌ في ضرورةِ حسن الفهمِ لسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحضُّ فيها على أن يُفهَم عن الرَّسولِ مُراده، من غير غُلوٍّ ولا تقصير، فلا يُحمَل كلامُه مالا يحتمله، ولا يقصَّر به عن مُراده وما قَصَده مِن الهدُى والبَيان.