للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الأوَّل

سَوْق حديث «احتجَّ آدمُ وموسى»

عن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «احتجَّ آدم وموسى، فقال موسى: يا آدمُ، أنت أبونا، خيَّبتنا، وأخرجتنا مِن الجنَّة!

قال له آدم: يا موسى، اصطفاك الله بكلامه، وخَطَّ لك بيده: أتلومني على أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنةٍ؟! (١)


(١) قد يتوهَّم القارئ نوعَ معارضةٍ بين هذه الجملة من الحديث، مع ما ثبت في «صحيح مسلم» (رقم: ٢٦٥٣) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنَّ كتابة المقادير متحقِّقة قبل خلق السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة، إذْ ظاهره أنَّ تقدير معصية آدم متأخِّر عن كتابة المقادير، فلا يشملها التقدير المتقدم.
والحاصل أنَّه يمكن الإجابة عن هذا المعارض بالتَّالي:
الأوَّل: أنَّ تقدير معصية آدم مخصوص من التَّقدير العام المتقدِّم، فتكون الكتابة حاصلةً قبل خلق آدم بأربعين سنة، وقد يكون وقوعها مدَّة لبثه طينًا إلى أن نُفِخت فيه الرُّوح؛ على ما رُوِيَ أن ما بين تصويره ونفخ الرُّوح فيه كان مدَّة أربعين سنة، وكلا التَّقديرين العام والخاص قد أحاط الله بهما علمًا؛ وهذا القول اختاره ابن الجوزي، كما في كتابه «كشف مشكل أحاديث الصَّحيحين» (٣/ ٣٨٣).
الثَّاني: أنَّ هذا التَّقدير حاصل بعد التَّقدير الأوَّل، والتَّقدير الأول قد انتظمه واشتمل عليه، فلم يخرج عنه، وهذا اختيار ابن القيم في «شفاء العليل» (١/ ٨٢).
الثَّالث: أنَّ هذه الكتابة هي الكتابة في التَّوراة، كما ورد في رواية مسلم التالية، وهذا اختيار المازري في «المعلم» (٣/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>