للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَبحث الثَّاني

الدَّعاوي المُعاصرة لاشتمالِ «الصَّحيحين» على إسرائيليَّات

ظَهَرت دعوى تَسرُّبِ الإسرائيليَّات إلى الدِّين واختلاطها بالأحاديث النَّبوية في وقتٍ مُبكِّر مِن عمرِ الإسلام، على يَدِ بعضِ رؤوسِ التَّجَهُّم، والَّذين حَشَدوا كلَّ فِريةٍ يَرمون بها هدمَ أصولِ أهل السُّنةِ؛ كاتِّهامهم لبعضِ الصَّحابة رضي الله عنهم بنسبةِ ما يَسمعونه مِن مَعارفِ أهلِ الكتابِ إلى سُنَّة النَّبي صلى الله عليه وسلم.

ولعَلَّ مُقدَّمهم في هذه الجرأةِ المَقيتةِ بِشرٌ المرِّيسي (ت ٢١٨ هـ)، حيث كان يُعلن بهذا في مُناظرتِه لأهلِ السُّنة، فلم يكُن مِمَّن يُبالي أن يجِد شيئًا يُعفيه مِن إقامةِ الحُجَّةِ عليه مِن سُنَّةٍ قائمةٍ، إلَّا أسرعَ يُلوِّح به في وجهِ مُناظِره، ولو كان باطلًا يَكبُّه على مِنْخَرَيْه في أوحالِ الزَّندقةِ!

وفي تقريرِ هذه البليَّة عليه، يقول عثمان بن سعيد الدَّارمي (ت ٢٨٠ هـ) في معرضِ ردِّه عليه طعنَه في السُّنن بمحضِ الهوى: « .. وكذلك ادَّعيتَ على عبدِ الله بنِ عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان مِن أكثرِ أصحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم روايةً عنه، مَعروفًا بذلك، فزَعَمتَ أنَّه أصابَ يوم اليرموك زامِلتين مِن كُتب أهل الكتاب، فكان يَرويها للنَّاس عن النَّبي صلى الله عليه وسلم! فكان يُقال له: لا تُحدِّثنا عن الزَّاملتين .. » (١).

وقد انبتَّ هذا القولُ عن أن يَصِل إلى قناعةِ المسلمين به، مَهجورًا فيهم دُهورًا مِن الزَّمن؛ حتَّى جاء بعض المستشرقينَ فأرجعوا كثيرًا مِن الآياتِ


(١) «نقض عثمان بن سعيد على المريسي الجهمي العنيد» (ص/٣٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>