للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحاديث إلى التُّراثِ الكِتابيِّ -زعموا- كي يخلُصوا إلى أنَّ الإسلامَ ما هو إلَّا اختراعٌ مِن محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنَّه استقى خليطَ معارفِه مِن صُحفِ أهلِ الكتابِ وتشريعاتِهم.

ففي نهاية القرن السَّابع عشر الميلادي، أخرجَ المستشرق (هِربِلو Herbelot) (ت ١٦٩٥ م) (١) بحثًا، زعمَ فيه أنَّ جملةَ الأحاديثِ الَّتي في «الكُتب السِّتة» و «الموطأ» وغيرها مِن كُتبِ السُّنَن مُقتبَسةٌ مِن «التَّلمود» إلى درجةٍ كبيرٍ، وأنَّ الشَّريعة المُحمديَّة مُستقاة منها بواسطةِ اليهودِ الَّذين دَخلوا في الإسلام، ثمَّ تَوَسَّعت فيما بعدُ إلى الاستقاءِ مِن عدَّةِ دياناتٍ وحَضاراتٍ كانت على صِلة بجزيرةِ العَربِ.

ثمَّ صار (هربلو) مُلهِمًا لمن جاء بعده في تقسيمِ حقولِ الدِّراسات الشَّرقيَّة بصورةٍ مَوضوعيَّة، والتَّركيزِ على حقلِ السُّنة النَّبوية تَشكيكًا في صحَّةِ أحاديثها، بالكشفِ عَمَّا أسمَوه بـ «المادَّة الأصليَّة للحديث» (٢).

وفي تقرير هذه الشُّبهة، يقول (جولدزيهر): «هناك جُمَل أُخِذت مِن العهدِ القديم، والعهدِ الجديد، وأقوالِ الرَّبانيِّين، أو مَأخوذة مِن الأناجيلِ المَوضوعة، وتعاليمِ الفلسفةِ اليونانيَّةِ، وأقوالٍ مِن حِكَم الفُرس والهنود، كلُّ ذلك أخَذَ مكانَه في الإسلام عن طريقِ (الحديث)، حتَّى لفظُ (أبونا) لم يُعدَم مكانَه في الحديثِ المُعترف به!

وبهذا أصبحت مِلْكًا خاصًّا للإسلام بطريق مُباشر أو غير مُباشر تلك الأشياء البعيدة عنه .. حتَّى إذا ما نَظرنا إلى الموادِّ المَعدودة في الحديث، ونظرنا إلى الأدبِ الدِّيني اليَهوديِّ، فإنَّنا نستطيعُ أن نعثر على قِسمٍ كبيرٍ دَخَل الأدبَ الدِّينيَّ الإسلاميَّ مِن هذه المصادر اليهوديَّة» (٣).


(١) مستشرق فرنسي، صاحب «المكتبة الشرقية»، وهي دائرة معارف عن الشرق نُشرت عام (١٧٣٨ م)، انظر «موسوعة المستشرقين» للبدوي (ص/٦٠٣).
(٢) «موقف الاستشراق من السنة والسيرة النبوية» لأكوم العمري (ص/٧٠ - ٧١).
(٣) «العقيدة والشريعة» (ص/٥١ - ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>