المَطلب الثَّالث دفع المُعارضاتِ الفكريَّةِ المعاصرةِ عن حديثِ الجسَّاسة
أمَّا عن المعارض الأوَّل: وهو دعوى ردِّ الحديث لعَدمِ استفاضتِه، مع توفُّر الدَّواعي لذلك، فالجواب عنه:
أنَّ تلك الدَّواعي لنقلِ الحديث مُتواترًا كما قرَّرها (رشيد رضا) لا توجِبُ أن يكونَ الحديثُ كذلك مِن جِهة واقع الرِّواية، فإنَّ عددًا مِن المَرويَّات قد تَوَفَّرت لها ذات الشُّروط لم تبلُغنا بالتَّواتر، هي مع ذلك ممَّا يقرُّ (رشيد رضا) بصحَّتها بلا شكٍّ، مثل خطبة حجَّة الوَداع، وقد كانت في جمعٍ لم يعرف الإسلام مثله عددًا في عهد النُّبوة، ومع ذلك لم يروِها إلَّا آحاد قلائل.
فإن قيل: قد يُستشكَل على هذا الجواب أمور، منها:
أنَّ أهل الأصولِ على أنَّ خَبر الواحدِ فيما تَتوافر الدَّواعي على نقلِه، إذا انفردَ الواحدُ بروايتِه عن باقي الخَلقِ لم يُقبَل؛ لكونِ الدَّواعي على نقلِه مُتوفِّرة عَقلًا وطَبعًا؛ إمَّا لغرابتِه، وإمَّا لتعلُّقِه بأصلٍ مِن أصول الدِّين، ولم يخالف في هذا إلَّا الإِمامِيَّة، فقالوا بقَبولِه (١).
(١) انظر «المستصفى» للغزالي (ص/١١٤)، و «المحصول» للرازي (٤/ ٢٩٢)، و «روضة الناظر» لابن قدامة (١/ ٣٠٠)، و «الإحكام» للآمدي (٢/ ٤١)، و «البحر المحيط» للزركشي (٦/ ١٢٣).