للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحديث الجسَّاسة هذا يُشبِه أن يكونَ مِن هذا النَّوع الَّذي تَتوافر الدَّواعي لنقلِه عن جمعٍ لا عن فرد، فهي خطبة عامَّة، خَصَّها النَّبي صلى الله عليه وسلم بالنِّداءِ، وحَضرَها جَمعٌ مِن المسلمين رِجالًا ونِساءً، وقد حَوَت مِن أعاجيبِ الأخبارِ ما حَوَت.

والَّذي أرَاه سديدًا في ردِّ هذا الاستشكال، أن يُقال:

ليس الحديث غريبًا فردًا كما تَوَهَّمَه مَن رَدَّ الحديثَ، فقد شاركَ فاطمةَ بنتَ قيسٍ في روايتِها هذه الحادثةَ بعضُ أصحابِ النَّبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال ابن حجرٍ عند شرحِه للحديث: «قد تَوهَّم بعضُهم أنَّه غريب فَرد، وليس كذلك، فقد رواه مع فاطمة بنت قيس: أبو هريرة، وعائشة، وجابر» (١).

والتَّحقيق عندي أنَّ الحديث قد تابعَ فاطمةَ فيه اثنان مِن الصَّحابة لا ثلاثة كما قال ابن حجر، أعني بالاثنين: أبا هريرة، وعائشة؛ فأمَّا جابر فلا يثبتُ عنه؛ وتفصيل ذلك في الآتي:

أمَّا حديث أبي هريرة رضي الله عنه:

فقد جاء مِن طريقِ مجالد بن سعيد عن الشَّعبي في آخر روايتِه لحديث فاطمة بنت قيس، يقول فيه الشَّعبي: « .. فلقيتُ المحرَّرَ بنَ أبي هريرة، فحدَّثتُه حديثَ فاطمة بنت قيس، فقال: أَشهدُ على أبي أنَّه حدَّثني كما حدَّثَتك فاطمةُ، غير أنَّه قال: قال رسول الله: إنَّه نحو المشرق .. » (٢).

ومُجالد بن سعيد هذا وإن كان ضعيفًا في الأصل (٣)، لكن تابَعه عن الشَّعبي: سليمانُ بن أبي سليمان الشَّيباني (٤)، وهو ثِقة حافظ، حديثُه في غِنىً عن متابعةِ ثِقةٍ، فضلًا عن مثلِ مُجالد.


(١) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ٣٢٨).
(٢) أخرجه أحمد في «المسند» (٤٥/ ٥٨، رقم: ٢٤١٠٠)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٧/ ٥١٠، رقم: ٣٧٦٣٦)، والطبراني في «المعجم الكبير» (٢٤/ ٣٩٣، رقم: ٩٦١).
(٣) انظر «الضعفاء الصغير» للبخاري (ص/١٣٠)، و «المجروحين» لابن حبَّان (٣/ ١٠)، و «الكامل» لابن عدي (١٠/ ١٣ - ١٧).
(٤) كما عند الطبراني في «المعجم الكبير» (٢٤/ ٣٩٢، رقم: ٩٦٠)، وابن منده في «الإيمان» (٢/ ٩٥٠، رقم: ١٠٥٧) بسندٍ صحيح إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>