للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الرَّابع

نِسبيَّة الاستشكالِ للنُّصوص الشَّرعيَّة

قد اقتَضَت حِكمةُ الشَّارعِ ونصحُه، ألَّا يوجَد في نصوصِه ما لا يُمكِن لأحدٍ مِن الأمَّة مَعرفة مَعناه، فالدَّلائل الكثيرة توجِب القطعَ ببُطلانِ خلافِ هذا، حتَّى ما تَعَلَّق منها بالغَيْبيَّاتِ، كنصوصِ الصِّفات، وحقيقة البرزخِ وما بعده، ممَّا يعجزُ العقلُ عن إدراكِه، إنَّما يُجهَل منها الكَيفيَّة والحقيقة لا المَعنى، «إذْ يبعُد أن يخاطِبَ الله تعالى عبادَه بما لا سبيلَ لأحدٍ مِن الخلقِ إلى معرفتِه، .. بل يستحيلُ أن يتكلَّم بما لا يُفيد» (١).

فإذا تَقرَّر هذا؛ عَلِمنا أنَّ استشكالَ النَّاسِ للنُّصوصِ النَّبويَّة -كما هو آيُ القرآنِ- أمرٌ نِسبيٌّ إضافيٌّ، قد تشتبِه أفرادُه على بعضِ النَّاسِ دون بعضٍ، يُشكِلُ على هذا ما يعرفه هذا، بحسبِ اختلافِ مَدارِكِهم وأفهامِهم وآرائِهم (٢)، لا سِيَما ما يَتَعلَّق منها بالأمورِ الغَيبيَّة، لقصورِ عِلمِ النَّاس في جانبِ علمِ الله تعالى وحِكمتِه (٣).

فمَن خَفِيَ عليه المَعنى المُراد، فهو مُتشابهٌ ومُشكِلٌ عنده، ومَن عَلِمَ المُرادَ منه، زالَ عنه الإشكالُ، وانتفى التَّشابه، وصارَ مُحكمًا عنده.


(١) «المنهاج شرح صحيح مسلم» للنووي (١٦/ ٢١٨).
(٢) انظر «جامع أحكام القرآن» للقرطبي (٤/ ١٠ - ١١)، و «فتح الباري» لابن حجر (٨/ ٢١٠ - ٢١١).
(٣) انظر «درء التعارض» لابن تيمية (١/ ١٥١)، و «الأنوار الكاشفة» للمعلمي (ص/٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>