للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَطلب الأوَّل

دعوى ترك البخاريِّ كتابَه مُسودَّة وتصرف غيره فيه

يُشكَّك بعضُ مَن تَصدَّى لنقدِ «الصحيح» من المُعاصرين في صِحَّةِ نسبته إلى البخاريِّ كاملًا، ويستدلُّون على ذلك بما يَصفونه اضطرابًا في التَّرتيب الَّذي اعتُمِد لأبوابه؛ ذلك أنَّهم لاحظوا أنَّ بعض أبوابه يتضَمَّن أحاديث كثيرة، وبعضُها فيه حديثٌ واحدٌ، وبعضُها يَذكر فيه آية مِن القرآن، وبعضها لا يَذكر فيه شيئًا البتَّة!

فتوهَّموا أنَّ مَرَدَّ ذلك إلى تركِ البخاريِّ كتابَه عند موتِه على غيرِ صيغَتِه النِّهائية؛ ما أدَّى بناسِخيه إلى ضَمِّ بعضِ الأبواب، وإضافةِ تراجم إلى أحاديث غير مُترجمٍ لها، «وهذا يعني أيضًا في نَظَرِ أحمد أمين ومحمود أبو رَيَّة: أنَّ «الجامعَ الصَّحيح» في شكلِه النِّهائيِّ، أنجَزَه أتباعُ البخاريِّ وتلاميذُه»! (١)

يقول (عبد الصَّمد شاكر) في تقرير هذه الشُّبهة: «إنَّ هذا التَّكرارَ المُمِلَّ .. ليس مِن صُنعِ المؤلِّف، فإنَّه مات قبل تدوينِ كتابِه، فترَكَه مُسودًّا، فتَصَرَّف فيه المُتصرِّفون بلا رَوِّية، وعليه فيَقلُّ الاعتمادُ على الكتابِ المَذكور، فإنَّ أمانةَ البخاريِّ ووثاقتَه لا توجدان أو لم تَثبُتا لهؤلاء المُتصَرِّفين» (٢).

وكان الغَرض من هذه الدَّعوى: إسنادُ ما يدَّعونه مُنكراتٍ في الكتاب إلى تركِ البخاريِّ له مُسودَّة، ومِن شأنِ المُسْوَدَّات أنْ تكون غيرَ مُنقَّحَة! ومِن شأنِ


(١) «الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث» لمحمد حمزة (ص/٢٢٤).
(٢) «نظرة عابرة في الصحاح الستة» (ص/٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>