للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«صحيحِه»، وبمُقابلَتها بغيرها من المتون المَرويَّة في باقي مُصنَّفات الحديث يظهر مصداق ذلك.

ومَرَدُّ هذا الصَّنيع من البخاريِّ إلى أنَّ مَقصِدَه الأعظم في الجملةِ هو الاستدلالُ بالحديثِ على الأحكام، فإذا ذَكر مِن الحديثِ ما هو دليلٌ على الحكمِ المُرادِ تحقيقُه، فقد حَصَّل الغرضَ الخادِمَ لموضوعِ كتابِه (١)، وإن كان لا يلزم أن يحذف ما زاد على موطن الشَّاهد عنده كلَّ مرة.

الفرع الخامس: موافقة مسلم للبخاريِّ في منهج تقطيع الأحاديث واختصارها.

أمَّا تلميذه مسلم؛ وإن كان مشهورًا عنه التَّباعد عن أسلوبِ التَّقطيعِ للمتونِ في «صَحيحِه»، إذْ يُفضِّلُ سردَ الحديثِ بتمامِه وطُرقِه في مكانٍ واحدٍ، وقد عُدَّ صنيعُه هذا مِن أبرزِ الصِّفاتِ المنهجيَّة الَّتي ميَّزته عن شيخه في التَّأليف، «بحيث إنَّ بعضَ النَّاسِ كان يُفضِّله على صحيحِ محمَّد بن إسماعيل، وذلك لما اختَصَّ به مِن جَمعِ الطُّرُقِ، وجودةِ السِّياقِ، والمحافظةِ على أداءِ الألفاظِ كما هي، مِن غير تقطيعٍ ولا روايةٍ بمَعنى» (٢).

فإنَّ صنيعَ مسلمٍ هذا هو في الغالبِ الأعمِّ مِن كتابِه، وليس مُطلقًا؛ وهو مِن جِهةِ التَّنظير موافقٌ لشيخِه في جوازِ ذلك، بشروطِه المُعتبرة عند المُحدِّثين (٣)؛ فإنَّه صَرَّح في مُقدِّمة «صَحيحِه» أنَّه ربَّما اختَصَر الحديثَ الَّذي يَشتَمِلُ على عِدَّةِ أحكامٍ إنْ أمْكَنه اختصارُ المتنِ، وفَصلُ ذلك المعنى الزَّائد مِن جملةِ الحديث، إذا لم يُخِلَّ ذلك بالمعنى، وأنَّ تفصيلَ ذلك رُبَّما عَسُر عليه مِن جُملَتِه، فإعادة الحديثِ بهيئتِه إذا ضَاقَ ذلك أسلَمُ لديه (٤).


(١) انظر «جامع الأصول» لابن الأثير (١/ ١٠٢).
(٢) «تهذيب التهذيب» لابن حجر (١٠/ ١١٤).
(٣) نصَّ على ذلك القاضي عياض، كما في «شرح صحيح مسلم» للنووي (١/ ٤٩).
(٤) مقدمة «صحيح مسلم» (١/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>