ثمَّ على التَّسليم بأنَّ خَبَرَنا هذا وافقَ خبرَ أهلِ الكتاب؛ فقد بَيَّنا قبلُ مِرارًا أنَّ ذلك جائز الوقوعِ، لِنَفْيِنا أن تكونَ جميعُ أخبارِهم مُحرَّفَة، بل يكون وِفاقُ نصوصِ شرعِنا لها دَليلًا على سلامِتِها من التَّحريفِ، فلا يَلزم أن تكون مُقتَبَسًةً منها.
تبقى دعوى المعارضةِ الثَّانية في تَوريثِ الشَّرِ والذَّنبِ لبناتِ حوَّاء، كما يزعُمه المُعترِض مُرادًا للحديث، فيُقال في نفيها:
كلَّا، ليس هذا مُرادًا مِن هذا الحديث الشَّريف! حاشاه صلى الله عليه وسلم مِن نسبةِ الظُّلم إلى الفعلِ الإلهيِّ، فقد تَقرَّر آنِفًا أنَّ خِيانةَ حوَّاء هي مِن نوعِ تركِ النَّصيحة لآدم، أو من نوعِ زيادةِ تَزيِين المَنهيِّ له.
مثل هذا السُّلوكِ الَّذي كان من حوَّاء -بمفهومِه العامِّ- خِصلةٌ مُطَّرِدةٌ في نفوسِ النِّساء في الجملة، و «خيانةُ كلِّ واحدةٍ منهنَّ بحسبِها»(١)، وليس في الحديث ما يُفيد لزومَ أن يشملهُنَّ هذا الطَّبعُ جميعَهنَّ.
فعلى هذا، يكون مُراد الحديث مُجرَّد البَيانِ عن اطِّرادِ الحالِ، وانتقال القابليَّة للشَّيءِ مِن الأصلِ إلى فروعِه.
وفي تقريرٍ هذا المَعنى مَقصِدًا للحديثِ، يقول محمَّد بهجت البَيْطار (ت ١٣٩٦ هـ) في شرحِه:
«إنَّ طبيعةَ النِّساءِ واحدةٌ، واستعدادُهنَّ واحدٌ في الخِلْقةِ والقابليَّة، لا فرقَ بين حوَّاء وغيرها مِن اللَّائي جِئْنَ بعدها، وقد خُلِقَت حوَّاء -وهي أمُّ النِّساء- قابلةً للخيانة والخَطأ، فخُلِقَت بناتُها مثلَها في ذلك الاستعداد والقبول، وفي تلك الخِلقة والصِّبغة، لا تتفاوت بين أفراد النِّساء في ذلك.
ولو أنَّ حَواء خُلِقت غير قابلةٍ لذلك: لمَا وَقَع منها شيءٌ ممَّا ذكرنا، لأنَّها غير قابلةٍ له، كما خُلِقت الملائكة غير قابلةٍ للعِصيان، ولكانت بناتُها غيرَ قابلاتٍ ولا مُستعدَّاتٍ لشيءٍ منه! فلم يَقع منهنَّ شيء، لأنَّ الطَّبيعة واحدة.