للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا قيل: «ولولا حَوَّاء ما خانَت امرأةٌ زوجَها»؛ أي: لو خُلِقَت غيرَ قابلةٍ للخيانة، لكانت بناتها مثلها غير قابلاتٍ للخيانةٍ، وإذا لمْ تَكُن حوَّاء ولا بناتُها قابلةً للخيانة، لم تقع منهنَّ، وهذا بيِّنٌ.

والحديث يَشرح نظريَّةً مِن نظريَّاتِ علمِ النَّفس، هي: أنَّ الاستعدادَ الفِطْريَّ في النَّوعِ الإنسانيِّ واحدٌ في الجديد والقديم، فاستعدادُ الإنسان الفِطريِّ في القرونِ المُظلمةِ الوسطى، مثل استعدادِه في القرن العشرين، واستعدادُ الشَّرقيِّين المَغلوبين على أمرهِم، المُستعمَرين مِن جميع نواحي الاستعمار، مثل استعدادِ الألمانيِّين والفرنسيِّين والإنجليز، وإنمَّا يكون التَّفاوُت والاختلاف بالمُحيطاتِ والبيئاتِ الحاكمةِ على الإنسان، ويكون أيضًا باستعمالِ الاستعدادِ وهُجرانِه.

ولو أنَّنا أخَذْنا طفلَ أعلمِ فيلسوفٍ إنجليزيٍّ، ووضعناه في أحضانِ أُمَّة عريقةٍ في الجهالة والتَّأخر، لجاء ذلك الطِّفل مثلَهم جاهلًا متأخِّرًا، ولو أخذنا طفلًا مِن هذه الأمَّة الجاهلة، ووَضعناه في بيتِ ذلك الفيلسوف الإنجليزيِّ، لجاء مُتعلمًّا مهذَّبًا، وربمَّا فاق فلاسفة الإنجليز أنفسِهم» (١).

فهذا جوابٌ -كما تراه- مَتين مُتماسِك؛ ومِمَّا يُؤيِّده:

حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم في حَقِّ آدم نفسِه حينما جاءَه مَلَك المَوت، فقال له: أَوَلم يبْقَ مِن عُمري أربعون سنةً؟! فقال المَلَك: أَوَلم تُعطِها ابنَكَ داود؟! قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «فجَحَد آدم، فجَحَدت ذريَّتُه، ونَسِيَ آدم، فنسِيَت ذُريَّتُه، وخَطِئ آدم، فخَطِئت ذُريَّتُه» (٢).

فليس معنى هذا الحديث أنَّ الله كَتَب الجحودَ والنِّسيانَ والخطيئةَ على بني آدم عُقوبةً أن جحَدَ أبوهم آدم ونسِيَ! وأنَّه لو لمْ يَجحُد وينْسَى عطاءَه من


(١) «مشكلات الأحاديث النبوية وبيانُها» للقصيمي (ص/١١).
(٢) أخرجه الترمذي في «جامعه» (ك: تفسير القرآن، باب: من سورة الأعراف، رقم: ٣٠٧٦) وقال: «هذا حديث حسن صحيح، وقد رُوي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم».

<<  <  ج: ص:  >  >>