للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيكون المعنى من الحديث: لا يَبقى كِسرى بأرضِه، وهي العراق، ولا قيصر بأرضِه، وهي الشَّام، كما كان الشَّأن في عهد النُّبوة، فإعلَامه صلى الله عليه وسلم بانقصامِ مُلكِهما وزوالِه هو مِن هذين القُطرَين، ولذا «قوِيَتْ نفوسُ الَعرب على الاتِّجار مع هذين القُطرين، وكانوا مِن قبل يملكون المزَارع في الشَّام، ويقيمون، ويَنعمون» (١).

هذا القول مَنقول عن الشَّافعي، وأيَّدَه مُرادًا للحديثِ بسَوقِ سَببِ ورودِه، بأن قال: «كانت قريش تَنتابُ الشَّامَ انْتِيابًا كثيرًا، مع مَعايشها منه، وتأتي العِراق، فلمَّا دَخلت في الإسلام، ذَكَرت للنَّبي صلى الله عليه وسلم خوفَها مِن انقطاعِ تعايُشها بالتِّجارة مِن الشَّام والعراق إذا فارقت الكفرَ ودَخلت في الإسلام، مع خلافِ مُلكِ الشَّام والعراق لأهل الإسلام، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إذا هَلَك كِسرى فلا كسرى بعده».

قال: فلَم يكُن بأرضِ العراقِ كسرى بعدَه ثَبَت له أمرٌ بَعدَه.

قال: «وإذا هَلَك قيصر فلا قيصر بعده»، فلم يكُن بأرضِ الشَّام قيصرٌ بعدَه، وأجابهم على ما قالوا له، وكان كما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقَطَع الله الأكاسرة عن العراق، وفارسَ وقيصر ومَن قام بالأمرِ بعدَه عن الشَّام.

قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم في كِسرى: «يُمَزَّق ملكُه»، فلم يبقَ للأكاسرةِ مُلك، وقال في قيصر: «يثبتُ ملكُه»، فثَبَت له ملكٌ ببلادِ الرُّوم إلى اليوم، وتَنحَّى ملكُه عن الشَّام، وكلُّ هذا أمرٌ يصدِّق بعضُه بعضًا» (٢).

وإلى الإقرار بهذا الوجه مِن الشَّافعيِّ مُرادًا للحديث، جنح ابن حبَّان (٣)، والخَطَّابي (٤)، والقاضي عِياض (٥)، والنَّووي (٦)، وابن كثير (٧)، وغيرهم.


(١) «خُطط الشَّام» لكرد علي (٤/ ٢٤١)
(٢) «الأم» للشَّافعي (٤/ ١٨٠ - ١٨١).
(٣) «صحيح ابن حبان» (١٥/ ٨٤).
(٤) «أعلام الحديث» (٢/ ١٤٤٧).
(٥) «إكمال المعلم» (٨/ ٤٦١).
(٦) «شرح النَّووي على مسلم» (١٨/ ٤٢).
(٧) «البداية والنهاية» (٦/ ٤٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>