للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقتضي مُوقِفًا للقائلِ به، ولا مُوقِف للصَّحابةِ إلَّا النَّبي صلى الله عليه وسلم، أو بعضِ مَن يُخبِر عن الكُتبِ القديمة!

فلهذا وقَعَ الاحترازُ تفاديًا للقسمِ الثَّاني.

يقول ابن حجرٍ في معرضِ حديثِه عن تفسيرِ الصَّحابي الَّذي له حكم الرَّفع: « .. إلَّا أنَّه يُستثنَى مِن ذلك ما كان المُفسِّر له مِن الصَّحابة رضي الله عنهم مَن عُرف بالنَّظرِ في الإسرائيليَّات، كمُسلِمَةِ أهلِ الكتابِ، مثل عبد الله بن سلام وغيره، وكعبد الله بن عمرو بن العاص .. فمثلُ هذا لا يكون حكمُ ما يُخبر به -مِن الأمور الَّتي قَدَّمنا ذكرَها- الرَّفعُ، لقوَّة الاحتمال» (١).

فإذا كان المُحدِّثون يحتاطون في روايةِ خَبرٍ عن صحابيٍّ فيه شُبهة الإسرائيليَّة، إذا لم يُسنده إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، ألَّا يَدخُلَ في المَرفوعِ مِن حديثِه ما ليس منه؛ فكيف يكون فَرزُهم وتشديدُهم على روايةٍ إسرائيليَّة صريحةٍ لا تحتمل، يَرويها مَن دونَهم في العلمِ والدِّين؟! لا شكَّ أنَّهم أحوطُ في ذلك وأشدُّ تحقيقًا في النَّقد.

وهم -على كلِّ حالٍ- مُقِلُّون مِن روايةِ الإسرائيليَّات عن مُسلمةِ أهلِ الكتابِ، فلم يُورِدوا لهم في مُصنَّفاتهم إلَاّ النَّزرَ اليسيرَ، مُقارنةً بما نراه -مثلًا- في كُتبِ التَّفسير أو التَّاريخ.

فهذا كعبُ الأحبار، وهو أشهرُ رَاوٍ للإسرائيليَّاتِ مِن التَّابعين مِمَّن أخَذَ عنه بعض الصَّحابةِ، لم يَذكُره البخاريُّ إلَّا عَرَضًا في مِوضعين مِن «صحيحِه»! وثلاثةٍ في «صحيح مسلم» بالتَّضمين!


(١) «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (٢/ ٥٣٢ - ٥٣٣).
قلت: وشَرطُ ذلك أن يكون كلامُ الصَّحابيِّ فيه شُبهة الإسرائيليَّة، فلا يُرَدُّ لمُجرَّد أنَّ راوِيَه آخذٌ عن أهلِ الكتابِ فحَسْب، وإلَّا جازَ التَّوقفُ في كثيرٍ مِن الأخبارِ الغَيْبِيَّةِ الَّتي رَواها بعضُ الصَّحابةِ، لمجرَّد أنَّه رَوى بعض الإسرائيليات! وليس ذلك بحَقٍّ، وعَملُ العلماء جارٍ على خلافِ هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>