للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد ردَّ الحديثَ المُختلف في إسنادِه: «أُمَّتي أمَّةٌ مَرحومة، جُعِل عذابُها بأيدِيها في الدُّنيا» (١)، حين رَأى مَتْنَه يخالف المشهورَ الثَّابتَ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الشَّفاعةِ؛ مع أنَّ في «صحيحه» بعضُ أحاديث وَقع اختلاف في أسانيدها أشدَّ ممَّا وقع في هذا الحديث (٢)، لكن لِما رآه في متنِه مِن مخالفة انحازت نفسُه إلى ردِّ الحديث.

ومثاله أيضًا عند البخاريِّ:

ما رواه (٣) من حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عبَّاس رضي الله عنه مرفوعًا: «بَنيَّ أفيضوا، ولا تَرموا الجمرةَ، حتَّى تطلُعَ الشَّمس» (٤).

قال: «حديث الحَكم هذا عن مِقسم مضطرب .. ، ولا يُدرى الحَكم سمِع هذا من مقسم أم لا».

ثمَّ أردف هذا التَّعليل الإسناديَّ ببيانِ مخالفةِ متنِه لخمسةِ أحاديث تُثبت أنَّ الَّذين رخَّص لهم في الانصراف من مُزدلفة بليلٍ قد رموا جمرةَ العَقبة قبل طلوع الشَّمس، ثمَّ قال: «وحديث هؤلاء أكثرُ في الرَّمي قبل طلوع الشَّمس، وأصحُّ».

فقد ضمَّ البخاريُّ إلى نفيِه المتابعة عن هذين الحديثين السَّابقين الإشارةَ إلى جهالة السَّماع في هذا الحديث المنتقد، وفي هذا إناطة للعلَّة المتنيَّة بموضعِها المحتَملِ في الإسناد (٥).


(١) انظر «التاريخ الكبير» (١/ ٤٠).
(٢) انظر أمثلة ذلك في «منهج الإمام البخاري في التعليل» (ص/٢٩٢).
(٣) في «التَّاريخ الأوسط» (١/ ٤٣٩).
(٤) أخرجه أبو داود في «السنن» (ك: المناسك، باب: التعجيل من جمع، رقم: ١٩٤٠)، والترمذي في «الجامع» (ك: الحج، باب: ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل، رقم: ٨٩٣) وقال: «حسن صحيح»، وابن ماجه في «السنن» (ك: المناسك، باب: من تقدم من جمع إلى منى لرمي الجمرات، رقم: ٣٠٢٥).
(٥) انظر «الأحاديث التي قال فيها الإمام البخاري (لا يتابع عليه) في التاريخ الكبير» لـ د. عبد الرحمن الشايع (ص/٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>