للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَسائلِ الفقهيَّة سُلالتَها، وهذا عِوَضٌ ساعَدَه عليه التَّوفيق، ومَذهبٌ في التَّحقيقِ دقيق» (١).

والسِرُّ في غموضِ هذه التَّراجم كامنٌ في تنوُّعِ مَقاصد البخاريِّ وبُعد مَراميه، وفرْطِ ذكائِه، وتَعمُّقه في فهمِ الحديث، وحرصِه على الاستفادةِ والإفادة منه أكبرَ استفادةٍ ممكنة؛ «كنَحْلةٍ حريصةٍ توَّاقَة -والله- تجتهدُ أن تَتَشرَّب مِن الزَّهرةِ آخرَ قطرةٍ مِن الرَّحيق، ثمَّ تُحوِّلها إلى عَسَلٍ مُصَفَّى، فيه شفاء للنَّاس» (٢).

فلأجل ذا أُلِّفت في فقهِ تَراجمِه كُتبٌ بحالِها قديمًا وحديثًا، أجَالَ العلماء في هذا الموضوعِ قِداحَهم، وأرْكَضوا في هذا المَيْدانِ جِيادَهم، قد اعْتصَروا فيها عقولَهم الرَّاجحة، وعلومَهم الرَّاسخة (٣)، «فلم نَعرِفْ أديبًا ولا لُغويًّا تَعمَّق في فهمِ بيتٍ مِن الأبيات، ومَعرفةِ معنىً مِن المعاني الشِّعريَّة، والوصولِ إلى غايةٍ مِن غاياتِ الشُّعراء، مثل تَعمُّق شُرَّاحِ «الجامعِ الصَّحيحِ» والمُشتغلين بتدريسِه، في فهمِ مَقاصد المؤلِّفِ وشرحِ كلامِه» (٤).

والمقصود؛ أنَّ البخاريَّ لمَّا أودع كتابَه مِن الفقهِ الَّذي اشتملت عليه التَّراجم ما أودَع، ورَصَّع في عقودِ تلك الأبوابِ مِن جواهرِ المعاني ما رَصَّع، ظهرَتْ مِن تلك المَقاصد فوائد، وخَفِيَت فوائد، فاضطرَبت بعض الأفهامِ فيما خَفِيَ، فمِن مُحوِّم وشاردٍ.


(١) «المتواري على تراجم أبواب البخاري» (ص/٣٩).
(٢) «نظرات على صحيح البخاري» لأبي الحسن الندوي (ص/٣٣).
(٣) من أشهر ما كُتب في شرح مناسبات تراجم اليخاري: «المتواري على أبواب البخاري» لابن المنير المالكي الذي سيأتي ذكره هنا، و «مناسبات تراجم البخاري» لبدر الدين ابن جماعة، و «تراجم أبواب البخاري» للشَّاه ولي الدَّهلوي، و «شرح تراجم أبواب البخاري» للكاندِهلوي، وكلُّها هذه مطبوعة، ولعل أجودها كتاب «ترجمان التراجم» لابن رشيد السبتي، غير أنه لم يكمله، حتى قال فيه ابن حجر في «الفتح» (١/ ٩٣): «ووقفت على مجلد من كتاب اسمه ترجمان التراجم، لأبي عبد الله بن رُشيد السبتي، يشتمل على هذا المقصد، وصل فيه إلى كتاب الصيام، ولو تم لكان في غاية الإفادة، وأنه لكثير الفائدة مع نقصه»، وقد عثر مؤخَّرًا على جزءٍ صغير منه طُبع بتحقيق د. زين العابدين رستم.
(٤) «نظرات على صحيح البخاري» (ص/٢٥)، وأصلها مقالة قدَّم بها أبي الحسن الندوي لكتاب «لامع الدراري على جامع البخاري» للكاندهلوي.

<<  <  ج: ص:  >  >>