للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقائلٌ يَقول: اختُرِم ولم يُهذِّب الكتابَ، ولم يُرتِّب الأبواب.

وقائلٌ يقول: جاءَ الخَلل مِن النُّساخ وتجزيفِهم، والنَّقَلَة وتحريفِهم.

وقد سَبَق الجواب على هذين بِما يكفي بالَ المُنصِف مِن الانشغال بهما.

يَبقى النَّظر محصورًا في هذا الموطن في قول مَن قال: «قد أبعْدَ البخاريُّ المنتجَعَ في الاستدلال، فأَوْهَمَ ذلك أنَّ في المطابقةِ نوعًا مِن الاعتدال» (١)، وما هو منه إلَّا الغلَط في فهمِ الأحاديث؛ «فإنَّ أدلَّتَه عن تراجِمه مُتقاطعة، فيُحمَل الأمرُ على أنَّ ذلك لقصورٍ في فكرتِه، وتجاوزٍ عن حَدِّ فِطرتِه.

وربَّما يجِدون التَّرجمةَ ومعها حديثٌ يُتَكَلَّف في مُطابقتِه لها جِدًّا، ويجدون حديثًا في غيرها هو بالمطابقةِ أوْلى وأجْدَى! فيحمِلون الأمرَ على أنَّه كان يَضع التَّرجمةَ ويُفكِّر في حديثٍ يُطابقها، فلا يَعِنُّ له ذكرُ الجليِّ، فيعدِل إلى الخَفيِّ، إلى غير ذلك مِن التَّقادير الَّتي فَرَضوها في التَّراجم الَّتي انتقدوها، فاعْترَضوها» (٢).

ومِمَّن عَلِمتُه سَبَّاقا إلى هذا التَّخريجِ الحاطِّ مِن فقهِ البخاريِّ: أبو الوَليد الباجِيُّ (ت ٤٧٤ هـ)؛ فبعدَ سَوْقِه لمَشهورِ نَصِّ المُستَمْلي في إلحاقاتِ تراجمِ نُسخةِ الفِرَبري مِن «الجامع الصَّحيح» - وقد ذكرناه في موضع سابق - «أتبعَه الباجيُّ بما كانَ الواجبُ عليه تَركُه» (٣)، فإنَّه قال: « .. إنَّما أوْرَدتُ هذا، لمِا عُنِيَ به أهلُ بَلدِنا مِن طَلَبِ مَعْنىً يجمَعُ بين التَّرجمةِ والحديثِ الَّذي يَلِيها، وتَكلُّفهم في تعسُّفِ التَّأويلِ ما لا يَسوغ، ومحمَّد بن إسماعيل البخاريُّ، وإنْ كان مِن أعلمِ النَّاسِ بصحيحِ الحديثِ وسَقيمِه، فليس ذلك مِن عِلْمِ المعاني وتحقيقِ الألفاظ وتمييزها بسَبيلٍ» (٤).


(١) «المتواري على أبواب البخاري» لابن المنير (ص/٣٦).
(٢) «المتواري على أبواب البخاري» (ص/٣٦)
(٣) «إفادة النَّصيح» لابن رشيد السبتي (ص/٢٦ - ٢٧).
(٤) «التَّعديل والتجريح» (١/ ٣١٠ - ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>