للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القولُ منه بمَنأىً عن التَّحقيق! وما ينبغي لِمن استعْصَى عليه الظَّفرُ بوجهِ تلك المناسبات أن يُسارع بردِّ العَيْبِ في المُتَرْجِم، ما دام القصورُ في فهمِ النَّاظرِ واردٌ.

فلأجل هذا الَّذي بدر من الباجيِّ، تَعقَّبَه ابنُ رشيد السَّبتي (ت ٧٢١ هـ) بما يَدفع اللَّومَ به عن البخاريِّ، قائلًا: «إنَّما وَقَع للبخاريِّ رضي الله عنه هذا، لِما كان عليه مِن النُّفوذِ في غوامضِ المَعاني، والخلوصِ مِن مُبهماتِها، والغَوصِ في بحارِها، والاقتناصِ لشَوارِدها، وكان لا يَرضى إلَّا بدُرَّة الغائص، وظَبْية القانِص، فكان رضي الله عنه يَتأنَّى ويَقف وقوفَ تخيُّرٍ لا تحيُّرٍ، لازدحامِ المعاني والألفاظ في قلبِه ولسانِه، فحُمَّ له الحِمام، ولم تُمهله الأيَّام، لا لمِا قاله أبو الوليد مِن قولِه الخطأِ الَّذي ضَربنا عن ذكرِه؛ ومَن تأمَّل كلامَه فِقهًا واستنباطًا وعربيَّةً ولغةً، رأى بحرًا جَمَع بحارًا، إلى ما كان عليه مِن حُسنِ النِّيَّة، وجميل الفِعلة في وضعِ تراجم هذا الكتاب» (١).

غير أنَّ هذا المُستَحْسَن عند ابن رُشيدٍ يَسلُب حُسْنَه مَن يُسيء فهمَ مَقاصِد البخاريِّ في تراجِمه، مِن بعضِ الاتِّجاهاتِ المُنحرفة المُعاصرة، فعَابوها عليه حينَ عَزَّ عليهم إدراكُ كثيرٍ مِن مُناسَباتِها؛ فلم يَجد (حسن حَنفي) بُدًّا ليتَخلَّصَ مِن دوَّامةِ فهمِها إلَّا بتحقيرِ هذه التَّبويباتِ، كونُها عنده «اختيارًا إيديولوجيًّا طِبقًا للسُّلوكِ القَديم، وما يَتَّفق مع البِيئَةِ العَربيَّة الأولى» (٢)؛ فما البخاريُّ في اختياراتِه لتبويباتِه إلَّا خادِمٌ للتَّوجُّهاتِ السُّلطويَّة والاجتماعيَّة (٣).

من هنا، حسُن بنا التَّعريج بإيجازٍ على طبيعةِ التَّبويباتِ الَّتي حبكها البخاريُّ في «صحيحِه» ومنهجه في ترجمتها، كي نجليَّ أنظار من استشكلوا ذلك مِن الغبشِ الحاصل في أفهامهم تُجاه فقهِ البخاريِّ وفهمِه للأحاديث؛ فنقول:


(١) «إفادة النَّصيح» لابن رشيد (ص/٢٦ - ٢٧)
(٢) «من النَّقل إلى العقل» (٢/ ٢٣).
(٣) «في فِكرنا المعاصر» لحسن حنفي (ص/١٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>