للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يَرِد في أصلِها؛ فإنَّ هذه لا تَشتبِهُ على النَّاظرِ أن تكون مِن إنشاءِ المُؤلِّف نفسِه! كيف وقد مَيَّزوها عن المادَّةِ الأصليَّةِ بإيرادِ أسانيدِها الخاصَّة مُستقلِّةً إلى مَن رَوَوها عنه (١).

مِن ذلك مثلًا: ما انفردَ به المُستمْلِي في نُسختِه عن الفَربري (٢) في باب: «الرَّجم بالمُصَلَّى»، بعد حديثِ جابرِ رضي الله عنه في قصَّة الَّذي اعترفَ بالزِّنا، ما نصُّه: «سُئِل أبو عبد الله (٣): (فصَلَّى عليه) يَصِحُّ؟ قال: رواه مَعمر، قيل له: رواه غير مَعمر؟ قال: لا».

فنظيرُ هذا المثال -بالضَّبط- ما تَعَسَّر على المُغالِطينَ فهمُه مِن تصرُّفاتِ النَّقَلة! أعني بذلك قولَ الفَربري (٤): «وحدَّثنا محمَّد بن إسماعيل البخاريُّ قال: حدَّثنا عبيد الله بن موسى، عن سفيان قال: إذا قُرِئ على المحدِّث فلا بأس أن يقول: حدَّثني .. » (٥)، فجعلوا مثل هذا -لجهلهم بقوانين التَّصنيف- شُبهةً على التَّصرف بأصلِ الكتابِ!

وقد قدَّمنا أنَّ هذه الإضافاتِ مِن الرُّواة لبعضِ موادَّ أجنبيَّة في ما ينقلونه من كُتبٍ مَرويَّة أمرٌ اعتياديٌّ معروف عند العلماء، وقع مثلُه في غير ما مُصَنَّفِ مِن مُصَنَّفاتِ الآثار، أشهرُ ذلك ما حوَته رواياتُ «الموطَّأ» مِن ذلك، بل وفي «صحيح مسلم» شيءٌ مِن ذلك أيضًا (٦).


(١) كنسخة أبي محمَّد الصَّاغاني، وقد اطَّلع على نسخة للفربري من «الصَّحيح» عليها خطُّه، حيث تميَّزت عن باقي النُّسخ باحتوائها على زيادات من أقوال البخاريِّ فيها فوائد، وانظر مقدمة د. أحمد السلوم لـ «المختصر النصيح» للمهلب بن أبي صفرة (١/ ٩١).
(٢) «فتح الباري» لابن حجر (١٢/ ١٣١).
(٣) يعني البخاريَّ.
(٤) جاء نقلُه هذا في جميع روايات البخاري، ما عدا الهرويَّ وأبي الوقت وابن عساكر، كما تراه في هامش الطَّبعة السُّلطانيَّة لـ «صحيح البخاري» (١/ ٢٤ ط ٢).
(٥) «صحيح البخاري» (ك: الحدود، باب: الرجم بالمصلى، رقم:٦٨٢٠).
(٦) انظر أمثلتها في كتاب «الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح» لمشهور سلمان (١/ ٣٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>