للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا فضلًا عمَّا يتعلَّق بالإلحاقات والتَّهمِيشات في النُّسخ الخطيَّة، فهذه أيضًا لها آدابها عند النُّساخ والنَّقَلة، يعرفها أهلُ الحديث ويُميِّزونها، ويذكرون قواعدَها في كُتبِ المصطلح؛ فما يذكرُه هؤلاء الرُّواة مِن زياداتٍ على الأصلِ يُسمِّيه العلماء بـ «التَّخريج»، ويكون أحيانًا بخطِّ مختلف، أو في حواشي الكتاب (١).

فبانَ أنَّ هذه الإضافات الجديدة ظاهرةٌ طبيعيَّة، لا تخرِم مَبدأَ الأمانةِ العِلميَّة في تحمُّلِ مُؤلَّفات الأئمَّةِ ما دامت مُمَيَّزةً عن أصلِها بأمارةٍ ظاهرةِ لا تَلتبِسُ، «سواءٌ كانت جُملةً، أو تفسيرَ كلمةٍ، أو تعليقًا - ما دامت تحملُ إسنادًا مُختلفًا عن إسنادِ صاحبِ الكتابِ، لم يَكُنْ هناك خَطرٌ لِلعَبث في الكتابِ نفسِه» (٢).

وها نحن في زَمانِنا نَقتني ما نَشتهيه مِن كُتب، يجد أحدنا في نفسه حُريَّةً تامَّةً في أنْ يتصرَّف في كتابه المُشترى كيف شاء، ما خَلا المتنَ طبعًا، وذلك بوضعِ مُلاحظاته بهامشِه، أو الكَتْبِ بين سطورِه، لمقاصِدَ تعود بالفائدةِ عليه، أو غيرِنا مِمَّن نحتَمِلُ أن يقرأَ نُسختَنا مِنه؛ فكذلك الأمر كان مع القُرَّاء الأقدمين؛ كانوا يَتملَّكون الكتابَ شِراءً أو نَسْخًا، ثمَّ لا يتحَرَّجون مِن التَّعليقِ علىه، وإغنائِه ببعضِ الإفاداتِ.

فهذا الَّذي يُفسِّر لنا وجودَ اسمَ البخاريِّ وسطَ بعضِ الأسانيد الَّتي يَرويها بعض نقلةِ «الجامع الصَّحيح»! وهو مع ذلك قليلٌ جدًّا في «صحيحِ البخاريِّ» (٣).

وأوكِّد في هذا المقامِ ختامًا: أنَّ مَن مَارَس هذه العلوم في توثيق المُصنَّفاتِ ولو شيئًا يسيرًا، أيقنَ أنَّ تفاوتَ الرِّوايات لكُتبِ التُّراث القَديمةِ أمرٌ طبيعيٍّ مُستَساغ، في ظلِّ اعتمادِ النَّاسِ قديمًا على السَّماعِ والنَّسخِ اليَدويِّ، وَضعفِ وسائلِ النَّشرِ والإعلامِ، والله الهادي.


(١) انظر «الإلماع» للقاضي عياض (ص/١٦٢)، و «مقدمة ابن الصَّلاح» (ص/١٨١).
(٢) «دراسات في الحديث النبوي» لمصطفى الأعظمي (٢/ ٣٨٠).
(٣) «فتح الباري» لابن حجر (١/ ٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>