للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا الاستكناه مِن الأئمَّةِ للمُتشابهِ مِن النُّصوصِ الشَّرعيَّة، إنَّما هو سَعيٌ منهم لفهمِ مُراد الشَّارِع ابتداءً، ودفعًا لأيٍّ شُبهةٍ تَتطرَّق إلى الدِّين مِن خلالِها، لا ابتغاءَ درْكِ ما لا يُعلم تأويلُه بتكلُّف؛ فإنَّ مَن سَألَ عمَّا استَعجمَه فَهمُه مِن معنى آيةٍ أو حديثٍ التبسَا عليه، بُغيةَ رفعِ الجهل عنه، غيرَ قاصِدٍ للتَّشكيكِ في شيءٍ مِن ذلك: لم يكُن ذلك منه ولوجًا في مَن ذمَّهم الله في كتابِه باتِّباعِ المُتشابه.

إنَّما ذاك عند ابن جريرٍ شأنُ مَن «ابتَدَع في دينِ الله بِدعةً، فمالَ قلبُه إليها، تأويلًا منه لبعضِ مُتشابه آيِ القرآن، ثمَّ حاجَّ وجادَل به أهلَ الحقِّ، وعَدَل عن الواضحِ مِن أدلَّةِ آيةِ المُحكَمات، إرادةً منه بذلك اللَّبسَ على أهلِ الحقِّ مِن المؤمنين، وطَلبًا لعلمِ تأويلِ ما تَشَابه عليه مِن ذلك» (١).

فهذا عينُه المَذموم المُرادُ بقولِ النَّبي صلى الله عليه وسلم: « .. فإذا رأيتَ الَّذين يتَّبعون ما تَشابه منه، فأولئك الَّذين سَمَّى الله، فاحذروهم» (٢)، يعني صلى الله عليه وسلم قولَه تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: ٧].


(١) «جامع البيان» (٥/ ٢١٤).
(٢) أخرجه البخاري في (ك: التفسير، باب: قوله تعالى: {منه آيات محكمات}، رقم: ٤٥٤٧)، ومسلم في (ك: العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن، والتحذير من متبعيه، والنهي عن الاختلاف في القرآن، رقم: ٢٦٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>