(٢) من أمثلة هذا الجهل بقواعد المحدِّثين في التَّعليل: ما أعَلَّ به حسن السَّقاف حديثَ عبد الله بن عمرو المشهورَ في «صحيح البخاري» (رقم: ٢٦٦٩) وغيره مرفوعًا: «بلِّغوا عني ولو آية، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأ مقعده من النَّار»، حيث قال في تحقيقِه لكتاب «العلو» للذَّهبي (ص/٣٩): «هذا اللَّفظ لا يصحُّ، لأنَّ لفظ رواية مسلم مخالفٌ لذلك، ونصُّه: (وحدِّثوا عنِّي ولا حرج .. )، وليس حديث (حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)؛ فالَّذي أراه وأعتمده: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يقول هذه المَقالة .. ». ثمَّ اتَّجه إلى تأكيدِ هذا التَّعليل الإسناديِّ، بدعوى أنَّ المتن مخالفًا لظاهر القرآن. وهذا منه هُراء، أبعد ما يكون عن منهجِ المُحدِّثين، فإنَّ اللَّفظ الَّذي عَزاه السَّقاف إلى مسلمٍ حديثٌ لصَحابيٍّ آخر، هو أبو سعيد الخدري، والحديث الَّذي رَدَّه به هو لعبد الله بن عمرو، فمَخرج الحديثين على هذا مُختلفين تمامًا، كلٌّ منهما حديث مُستقلٌّ بحالِه، فيجوز أن يُعَلَّ لفظُ أحدهما بالآخر؛ والحَقُّ أنَّهما مُتوافقان من جِهة المعنى غير مُتعارضين، ومع ذلك أعَلَّ السَّقاف أحدَهما بالآخر تعليلًا هو أوْلى بوصفِه به! وهذا مثال لا تكاد تجده إلَّا عند هؤلاءِ المُتعالِمين، فلا يُعرف لهذا العبث نظير في كُتب التَّخريج والعِلل.