للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صار من المعلوم القطعيِّ لمئات الملايين من البشر أنَّ الشَّمس لا تغيب عن الأرض في أثناء اللَّيل، وإنَّما تَغيب عن بعضِ الأقطار وتطلع على غيرها، فنهارنا ليلٌ عند غيرنا، وليلنا نهارٌ عندهم، كما هو المتبادر من قوله تعالى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} [الزمر: ٥]، وقوله جلَّت قدرته: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً} [الأعراف: ٥٤]، فنحن بعد العلم القطعيِّ الثَّابت بالحسِّ في مثل هذه المسألة وما في حكمها، لا مَندوحة لنا عن أحد أمرين:

إمَّا الطَّعن في سند الحديث وإن صَحَّحوه؛ لأنَّ رواية ما يخالف القطعيَّ من علامات الوضع عند المحدِّثين أنفسهم ..

وإمَّا تأويل الحديث: بأنَّه مَرويٌّ بالمعنى، وأنَّ بعض رواته لم يفهم المراد منه، فعَبَّر عمَّا فهمه، كعدم فهم راوي هذا الحديث الَّذي ذكرنا -على سبيل التَّمثيل- المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشَّمس تكون ساجدةً تحت العرش ... إلخ، فعبَّر عنه بما يدلُّ على أنَّها تغيب عن الأرض كلِّها.

وقد يكون المراد من معنى سجودها: أنَّه من قبيل قوله تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [الرحمن: ٦]، كما أن توقُّف طلوعها على إذن الله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: ٥٨]، وهو إذن التَّكوين لا التَّكليف .. » (١).

ويقول (سامر إسلامبولي): «مِن الواضح من قراءة النَّص أنَّه تركيبة غير موفَّقة صدرت من جهة جاهلة، وذلك من عدَّة أوجه:

أوَّلًا: مِن المعلوم أنَّ الشَّمس لها نظام ومسار تدور وتسير بموجبه، فهي ما إن تغرب عن مكان إلَّا وتكون بالوقت نفسه تشرق على آخر، ولا تغيب عن الأرض أبدًا، ولا تخرج عن مسارها ..

ثانيًا: إنَّ الشَّمس من المخلوقات الَّتي لا تملك عقلًا، ولا إرادة، وبالتَّالي فهي لا تسجد سجود العاقل الواعي، وهي غير مكلَّفة ومسئولة حتَّى يُقبل منها السُّجود أو يرفض» (٢).


(١) «مجلة المنار» (٢٧/ ٦١٠).
(٢) «تحرير العقل من النقل» (ص/٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>