للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالعرش له حقيقة لا يعلمها إلا الله خالقه سبحانه، والعقل لا يملك إلا تعقُّل صفاته المخبَر عنها في الدَّلائل النَّقليَّة، مِن ذلك: أنَّه عظيم الخلقِ والوزن، ذو قوائم (١)، وهو على عظمتِه كالقُبَّة على العالم (٢).

والمقصود: أنَّ هذه الحقيقة مع إبانة الوحي عن بعضِ أوصافها يَستحيل على العقل إدراك كُنهها كما أسلفنا، وكذلك يُقال في ما يَتعلَّق بحقيقة حركة الشَّمس؛ فإنَّ العقل البشريَّ إلى يومنا هذا يَعجز عن الإحاطةِ بهذه الحركة بصورةٍ يقينيَّة، لأنَّ هذا يَتطلَّب الانْبِتاتَ عن هذه المجموعة الشَّمسيَّة، والتَّمركزَ خارجَها للوقوفِ على هذه الحركة، وأنَّى للإنسان ذلك؟! (٣)

وبناءً على جهلنا بهاتين الحقيقتين، يكون محصَّل ذلك: الجهلُ بحقيقة سُجودِ الشَّمس تحت العرش، وانتفاء هذا اليقين عن الإحاطة بتلك الحقائق لا يَنفي وجودها، فإنَّ ما كان ثابتًا في نفسِه لا يَنفيه جهلُ الجاهلين به، وعليه فطعنُ الطَّاعن في الخبر بكونِ الشَّمسِ لا تغرب عن مكان إلَاّ وتشرق على آخر، فلا تغيب عن الأرض .. إلخ: لا يُغيِّر مِن تلك الحقائق شيئًا، لأنَّ صاحبَه أسَّسَه ابتداءً على غلطٍ في إدراك مَرامي النَّص؛ حيث توهَّم أنَّ معنى الغروب المذكور في الحديث هو الغياب المطلق على أهل الأرض جميعًا، ليتِمَّ السُّجود المنصوص عليه في الحديث!

وهذا غلطٌ في الفهم، يكشف عن غلطه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم نفسه فسَّر هذا الغروب بالذَّهاب، فقال: «أتدري أين تذهب؟ .. »، والمقصود بالذَّهاب هنا: حَرَكتُها، بحيث تَغيب عن رَأْيِ العَيْن، فهو بذا غِياب نِسبيٌّ لا مُطلق.


(١) انظر ما ورد فيه من أحاديث صحيحة وغيرها في «العرش وما رُوي فيه» لأبي جعفر ابن أبي شيبة (ت ٢٩٧ هـ) بتحقيق د. محمد خليفة التميمي.
(٢) كما ورَد الخبر في ذلك عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الطَّويل: « .. إنَّ عرشه على سماواته لهكَذا» وقال بأصابعه مثل القُبَّة، أخرجه أبو داود في «السنن» (ك: السنة، باب: في الجهمية، رقم: ٤٧٢٦)، وقد انتصر ابن تيمية لتصحيح هذا الحديث في كتابه «بيان تلبيس الجهمية» (٣/ ٢٥٤ - ٢٥٥).
(٣) «رفع اللَّبس» (ص/٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>