للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن حديث أبي هريرة اَّلذي ذكرناه لا يتحمَّل هذا التَّفسير؛ بل هو صريح في نسبة حَرِّ الصَّيف وبرد الشِّتاء إلى نَفَسَي جهنَّم بالتَّحديد ... فهذا السِّياق مَعْلولٌ بمخالفته الصَّريحة للعلم الَّذي أَثبت -بما أصبح الآن مِن البديهيَّات في علم الجغرافيا- أنَّ سبب الحرِّ واشتدادِه، وسبب البرد وشدته: إنَّما هو عوامل جغرافيَّة وجويَّة؛ مثل: درجة عموديَّة أو ميل الشَّمس على المنطقة، وبُعْد وقُرْب المنطقة من سطح الأرض إلى قُرْصِ الشَّمس.

ثمَّ إنَّه لا يوجد جَوٌّ واحد في الأرض؛ بل في كلِّ وقتٍ توجد على أَجزاء مختلفة مِن الأرض درجاتُ حرارة متفاوتة، مِن أقصى البرودة لأقصى الحرِّ؛ حسب الموقع الجغرافيِّ للمنطقة.

فسياق رواية أبي هريرة للحديث تتعارض مع العلم، وحتَّى مع المحسوس؛ لأنَّ روايته تصوِّر أنَّ الأرض كلَّها ذات جَوٍّ واحد؛ إمَّا صيف .. أو شتاء .. هذا في حين أنَّ الأرض تشتمل على الفصلين معًا في الوقت، فعندما يكون نصف الكرة الشَّمالي في أشدِّ برد الشِّتاء، يكون نصفها الجنوبيُّ في أحرِّ الصَّيف، والعكس بالعكس» (١).

وفي تقرير الشُّبهة الثَّالثة يقول (ابن قرناس): «النَّار مصدر للحرارة، كما الشَّمس الَّتي هي عبارة عن كرَّة عملاقة ملتهبة، ولا يمكن أن يصدر منها برد، ولذلك فإنَّ أهل الجنَّة لن يروا الشَّمس كمصدر للحرارة، ولن يصيبهم برد برغم عدم وجود الشَّمس كمصدر للحرارة .. » (٢).


(١) «نحو تفعيل قواعد نقد متن الحديث» (ص/٢٨٢ - ٢٨٣).
(٢) «الحديث والقرآن» (ص/١٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>