للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تكفيرًا للسَّيئات .. ثمَّ ذلك الألم الَّذي يَحْصُل للميِّت في البرزخ إذا لم يكن له فيه ذَنْبٌ: مِن جنسِ الضَّغطة، وانتهارِ منكر ونكير، ومِن جنس أهوال القيامة؛ يكفِّر الله به خطايا المؤمن، ويكون مِن عقوبة الكافر» (١).

ولا يُعترض على هذا التَّفسير المتينِ مِن هؤلاءِ الأعلامِ بما اعترضَ عليهم به (محمَّد الغزالي) في دعواه منافاة هذا الألمِ لتبشيرِ المؤمنِ عند موتِه بعدم الحزن! حيث قال:

«والقول بأنَّ المؤمن يتألَّم بعد موتِه لبكاء أهله مخالف للآية {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَاّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت: ٣٠]، روى ابن كثير أنَّ ذلك الموت، ونقل عن زيد بن أسلم: (يبشِّرونه عند موته، وفي قبره، وحين يُبعث)، وعلَّق على ذلك بأنَّ هذا القول يجمع الأقوال كلَّها، وهو حسن جدًّا، وهو الواقع! فأين يتعذَّب والحالة هذه؟ إنَّ الله مطمئنُّه على ما ترك وما سيلقى» (٢).

قلت: الَّذي في الآية: تبشير الملائكةِ للمؤمنين أن «لا تخافوا ما تقْدُمُون عليه مِن أمرِ الآخرة، ولا تحزنوا على ما خلَّفتم من دُنياكم مِن أهلٍ وولدٍ، فإنَّا نخلُفكم في ذلك كلِّه» (٣)، فطمأنتُهم للمؤمن على مصيرِه الأخرويِّ تنفي خوفَه ممَّا يقدُم عليه، والتَّبشير له برعايةِ أهلِه من بعده غايةُ ما فيه ذهابُ حزنِه على فقدِهم وإعالتِهم.

وهذا -كما ترى- لا يَنفي أن يجدَ هذا المُبشَّر شيئًا مِن الألمِ إذا سمع بكاءَ أهلِه عليه، كما أنَّه يجد شيئًا مِن الألم عند الضَّمة، وعند انتهارِ المَلَكَيين له، ونحو ذلك ممَّا سبق في كلامِ ابن تيميَّة، فهذا كلُّه لا دخلَ له بالحزنِ المَنفيِّ في الآية الكريمة.


(١) «جواب الاعتراضات المصريَّة» (ص/٦٢ - ٧٢).
(٢) «السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث» (ص/٢٤).
(٣) من كلام مجاهد في تفسير الآية، انظر «جامع البيان» للطبري (٢٠/ ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>