للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا المَقام الثَّاني: فمِن المُعارضات المَقولةِ على بعضِ ما تَضَمَّنه حديث الشَّفاعة الكبرى:

المعارضةُ الثَّانية: أنَّ مِن صِفاتِ الرُّسُل العصمةُ مِن المَعاصي، فصدُورها منهم -كما يثبتُه الحديث- قادِحٌ في تلك العِصمة، ومُناقضٌ لأمرِ الله أقوامَهم باتِّباعهم في جميعِ أعمالِهم.

وفي تقريرِ هذا الاعتراض، يقول (محمَّد صادق النَّجمي): «الغاية مِن إرسالِ الرُّسل هي طاعتهم والانقياد لهم، ومَشيئتُه عز وجل تَعلَّقت بهذا الأمر، وهو أنَّ الأنبياء يجب أن يكونوا مُطاعين مِن الجهة القوليَّة والعمليَّة، لأنَّ قولهم وفعلهم وسيلةٌ لإرشاد وهداية النَّاس، .. ولو افترضنا أنَّه بَدَرَت منهم مَعصيةٌ، لا بدَّ وأن تكون هذه المعصية مُرادَة عند الله ومحبوبةً إليه! لأنَّه تعالى هو الَّذي أمَرَ النَّاس وفَرض عليهم طاعةَ الأنبياء واتِّباعَهم؛ ومِن جهةٍ أخرى، نشاهد أنَّ المعصيةَ مَنهيَّة ومَمنوعة، وقد نَهى الله عز وجل عن ارتكابها!» (١).

والمعارضةُ الثَّالثة: أنَّ في اقتصارِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في دعاءِه على الشَّفاعةِ لأمَّتِه، تَخْيِيبًا لباقي الأُمَم الَّتي ترَّجَت منه الشَّفاعة، وهذا أبعدُ ما يكون مِن خُلُقه.

يقول (السُّبحاني) في تقرير هذا الاعتراض: « .. إنَّ هؤلاء الَّذين رَجَعوا إلى أنبيائه سبحانه: إمَّا أن يكونوا مِن أمَّتِهم، أو مِن أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ فإن كانوا مِن أمَّة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، فما الَّذي دَعاهم إلى أن يسألوا آدم، فنوحًا، فإبراهيم، فموسى، فعيسى، فمحمَّدًا صلى الله عليه وسلم؟ وإن كانوا مِن غيرهم: فلماذا خَيَّبهم سبحانه مِن شفاعةِ نبيِّنا إذا كانت فيهم قابليَّة الشَّفاعة؟ كما هو الظَّاهر مِن آخرِ الرِّوايةِ بأنَّه لا يَشفع إلَّا لأمَّته .. » (٢).


(١) «أضواء على الصحيحين» (ص/١٩٤).
(٢) «الحديث النبوي بين الرواية والدراية» (ص/٣٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>